اشتد الصراع بين الفريقين المتصارعين علي الساحة في مصر هذه الأيام.. احتدم الخلاف وأخذ كل طرف يتفنن في النيل من الآخر بشتي السبل والوسائل وياليتنا أصبحنا قسمين أو شعبين فقط.. بل ما يزيد الأمور تعقيداً أن كلاً من الفريقين أصبحا شيعاً مختلفة التوجه وانقسم علي نفسه يدافع عن رأيه ومصلحته التي هي ليست بالتأكيد في صالح الوطن أو المواطن.. بل نستطيع أن نؤكد بكل سهولة أن هذا الانقسام الحاد بين صفوف الفريقين يأتي دائماً في إطار الاختلاف علي تقسيم الأدوار والغنائم بين كل فريق.. وهذه الحالة ألقت بظلال من الغضب والعنف جعلت الشعب المصري يقف حائراً متخوفاً مما ستحمله له الأيام الفارقة. تيار الإسلام السياسي يحشد بكل قوة في سبيل خروج نتيجة الاستفتاء في صالحه وإقرار الدستور وذلك واضح قبل الاستفتاء عليه بفترة.. ولكننا فوجئنا بأحد فصائله القوية يدعو لمؤتمر صحفي أمس ليعلن رأيه في الدستور بحجة عدم موافقة بعض الفصائل الإسلامية علي مسودته.. الغريب أن هذا الرأي جاء بعد انتهاء المرحلة الأولي من التصويت علي الدستور والذي وافق عليه أكثر من 55% من الناخبين. هذا التصريح يعكس حالة الانقسام وعدم التوافق بين تيار الإسلام السياسي.. فهل حدث اختلاف مثلاً علي تقسيم عدد أعضاء مجلس الشوري الذي سيتم تعيينهم خلال أيام من داخل هذا الفصيل الإسلامي.. أم حدث تراجع في قناعتهم ببعض مواد الدستور؟ المهم أن هناك انقساماً في الرؤي وتبايناً في الآراء داخل تيار الإسلام السياسي الذي يحاول جاهداً أن يمرر الدستور في طريق الموافقة حتي يتمكن من إقرار مشروعه الإسلامي وتفويت الفرصة علي المعارضة.. وقطع شوطاً كبيراً في سبيل استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعة والأمنية في البلاد. نفس الحال ينطبق علي الفصيل الآخر والذي يتمثل في القوي الثورية والسياسية والذين يرفعون شعار "انصر الثورة وارفض الدستور" ويطالبون مؤيديهم بالتصويت ضد الدستور الذي لا يعبر - من وجهة نظرهم - عن حقوق وكرامة الإنسان ولا يحظي بالتوافق الشعبي المطلوب ولا يضمن حقوق المواطن الاقتصادية والاجتماعية ولا يحقق العدالة والحرية والديمقراطية.. وهم أيضاً مختلفون في التوجهات والرؤي والأفكار ويجمعهم التشتت والمعارضة من بعيد ومن علي صفحات التواصل الاجتماعي. نقطة الضوء الوحيدة الساطعة التي تظهر في النفق المظلم الذي تمر منه البلاد هذه الأيام هي هذا الشعب المصري العظيم الذي خرج واصطف في طوابير طويلة وتحمل مشقة تعطيل العمل في بعض اللجان لأسباب تخرج أحياناً عن الشفافية أو عدم المقدرة من جانب المشرفين الجدد علي لجان الاستفتاء.. وأصر علي أن يقول رأيه حتي وإن ظل أمام اللجان حتي وقت متأخر من ليل شتاء بارد.. هذا المشهد يعكس حرص المواطن البسيط غير المسيس والذي لا يرتبط بأي حزب أو فصيل سياسي علي المشاركة في رسم مستقبل بلاده واختيار ما يؤمن به بعيداً عن المزايدات والشعارات.. وهذا الشعب في رأيي هو الذي سينقلب وسيثور وسيغضب علي كل من سيتاجر به ويلعب بمشاعره واحتياجاته ومستقبله.. دون الدخول في صراعات سياسية لا يجني من ورائها سوي الفقر والدم وانعدام الأمن وعدم الاستقرار. من هنا أدعو كافة المواطنين التوافد أكثر علي صناديق الاقتراع في المرحلة الثانية السبت المقبل ويشارك كل من له الحق في التصويت علي الدستور حسب ما يري ويقتنع وأتمني أن ترتفع نسبة التصويت عن المرحلة الأولي لأن هذا الدستور لن يكون مقنعاً لي ولغيري إذا خرجت نسبة التصويت عليه أقل من 75% علي الأقل من الناخبين - بصرف النظر عن النتيجة - ساعتها سيكون هناك توافق وشبه إجماع علي غالبية مواده أما إذا خرج أقل من ذلك وهو المتوقع.. فسيكون دستوراً قصير العمر وستعيش معه البلاد في دوامة عدم الاستقرار ومليونيات الغضب والتشتت والانفلات وستستمر إراقة دماء أبناء هذا الوطن الغالي علي عتبات الاحتجاجات والمظاهرات وسنتفرغ للحشود وستتوقف تماماً عجلة الإنتاج وستتحول مصر إلي لبنان أخري وسيكون القادم أسوأ بكل المقاييس.