بقلوب دامية استقبلت مصر بأكملها كارثة قطار أسيوط الذي نتج عنها مقتل "52" طفلاً أو ملاكاً صغيرا لا ذنب لهم إلا انهم أحفاد هذا الجيل الذي بات أغلبه متبلد الحس وعديم المسئولية ولا يحترم قدسية العمل وقيمة الولاء للوطن وليس لحب الذات والترهل فوق مقاعدهم الوثيرة. فما قيمة استقالة وزير أمام الجراح الغائرة التي دمرت وجدان الآباء والأمهات الذين فقدوا فلذات أكبادهم بسبب إهمال بعض المسئولين الذين ابتليت بهم مصرنا في كل مكان وموقع ولو كان أحدهم يدرك يقيناً بأنه سوف يحاسب علي إهمال وتراخيه في متابعة مسئولياته لتفادينا الكثير من المصائب والكوارث المتتالية التي تنهال علينا بسبب اللا وعي واللا مسئولية واللا ضمير الذي يعشش في صدور هؤلاء. فقبل أن نحاسب الوزير أو الغفير يجب أولا أن نحاسب الذي سمح بأن يكون وقت العمل لموظفي المزلقانات لمدة "12" ساعة متوالية دون مراعاة للإمكانات البشرية أو حتي تهيئة المكان الآدمي لممارسة أعمالهم ونحاسب الذي حدد رواتبهم واغمض عينيه عن أدني احتياجاتهم المادية.. ونحاسب المسئولين بترتيب مواقعهم الإدارية ومهما كانت مبرراتهم أو مناصبهم. ان قلوبنا تدمي حسرة وغيظاً وقهراً لهذه المأساة التي روعت كل أبناء مصر بجميع طوائفهم. اننا لو استعدنا المانشيتات الصحفية والتصريحات العنترية التي كانت في الماضي تثار عقب كل كارثة من كوارث الإهمال سوف نجدها متكررة حتي يومنا هذا ودون اتخاذ أية إجراءات وقائية ضد مثل تلك الحوادث والأمثلة عديدة بدايتنا بحادث مزلقان عين شمس عام 87 والذي راح ضحيته 79 تلميذا وحادث احتراق قطار العياط عام 2003 نتيجة انفجار موقد غاز وراح ضحيته "350" راكباً وتم وقتها إقالة وزير النقل الدكتور إبراهيم الدميري وحادث قطار أبو حمص في عام 2006 ومقتل "54" راكبا وأيضا حادث اصطدام قطارين بمدينة العياط عام 2009 ومقتل "15 راكبا" والإطاحة بالمهندس محمد منصور وبذلك تصبح منطقة العياط هي مركز رئيسي لحوادث القطارات وبذلك هي تستحق أن تدخل موسوعة جينس للأرقام القياسية نتيجة اهمال المسئولين لها.. نحن لا نتحدث الآن عن مشكلة اقتصادية أو موازنة مالية أو مشاريع صناعية أو زراعية أو تعليمية أو صحية أو تأمينية بل نتحدث عن دور القيادات المسئولة التي تجلس في مكاتبها المكيفة وكأنها تسكن عالماً آخر غير عالمنا ولا تدري شيئاً عن أطفال الشوارع والمتسولين والطرق المدمرة والتي أصبحت وكأنها مصائد قاتلة لكل من يستعملها والانفلات الأمني الذي أصبح سمة أساسية من سمات الكثير من الناس حتي كدنا نعتاد بل ونتبلد ونحن نتابع يوميا سقوط القتلي والنهب والسرقة علي أيدي المجرمين الطلقاء.. نتحدث عن حالة الصرع والجشع الذي انتاب أغلب التجار وتسابقوا في زيادة الأسعار لأنهم يعلمون بأن لا رقيب ولا حسيب عليهم.. نتحدث عن الإهمال المخجل الذي أصاب مشروع عظيم مثل مترو الأنفاق الذي كنا في بدايته نتباهي به أمام العالم ونحن نراه اليوم وأصبح وكأنه سوقاً للباعة الجائلين وللمتسولين بالإضافة لصيانته الرديئة.. ونتحدث عن بقع الزيت الضخمة التي تلوث مياه النيل وكأنها عن عمد. وأيضا عن فتاوي بعض المجاذيب الذين يهلوثون دون رقيب أو محاسبة. ونتحدث عن الغموض الذي بات يخيم علينا وأصبحنا لا ندري شيئاً عن أي شيء حاكموا المسئولين بصدق لكي تهدأ النفوس قليلا. ونسأل الله أن يلهم أهالي الأطفال الصبر والسلوان.