تسعى سلطة الانقلاب العسكرى الدموى بشتى الطرق إلى إضفاء الشرعية على نفسها بعد أن سلبت الشعب المصرى إرادته؛ وانقلبت على الشرعية الدستورية والقانونية والرئيس المدنى المنتخب ديمقراطيًا الدكتور محمد مرسى، وعطلت الدستور المستفتى عليه من الشعب، وأوقفت جلسات مجلس الشورى الشرعى، وتبذل قصارى جهدها لتجميل وجهها القبيح فى الخارج ولتكسب التأييد والدعم الدولى لها فى ظل العزلة الكبيرة التى يعيشها الانقلابيون بسبب عدم اعتراف العالم بهم سوى 5 دول شاركت وخططت للانقلاب على المسار الديمقراطى. تنوعت الوسائل التى استخدمتها هذه السلطة الانقلابية غير الشرعية فى تحقيق ذلك وتحسين صورتها فى الخارج، ويعد ستار "الوفود الدبلوماسية الشعبية المصرية" أحدث هذه الوسائل التى ظهرت مؤخرا، حيث قام وفد بزيارة روسيا فى نوفمبر الماضى، بينما قام وفد آخر بزيارة الصين الأيام القليلة الماضية. على الرغم من أن هذه الوفود تنطلق وتتحرك من مصر لزيارة الدول الغربية على أساس أنها تعمل من أجل توطيد العلاقات بين مصر والدول الأخرى، وأيضا السعى نحو جذب المستثمرين لإقامة المشروعات فى مصر ومن ثم تحسين الأوضاع بها، إلا أنه عندما ندقق النظر نجد أن هدفها الوحيد لا يخرج عن إطار تحسين وجه الانقلاب العسكرى الدموى، وتعد مباركة المستشار عدلى منصور -المعين من سلطة الانقلاب- لتلك التحركات وتشجيعه لها خير دليل على ذلك، وهنا يمكن القول إن تلك الوفود تشبه الوفود الرسمية الموجهة. من المعروف أن الوفود الشعبية تتشكل من شخصيات تمثل الشعب لتتوجه إلى الشعوب ومنظمات المجتمع المدنى فى الدول الأخرى، بهدف تحسين العلاقات بينهما، لكن الوفود الدبلوماسية الشعبية المصرية حادت عن ذلك وغاب عنها المعيار الحقيقى الذى يضفى عليها الطابع الشعبى، إذ كانت تستهدف وتتوجه فى زيارتها الحكومات وليس الشعوب، على الرغم من أن السفارات والقنصليات تعد الوسيط الوحيد بين الدولة وحكومات الدول الأخرى، ومن شأنها القيام بهذا الدور كما هو متعارف عليه فى كل دول العالم. وإذا نظرنا إلى الوفود والشخصيات المشكلة لها نجد أنها تضم رموز نظام المخلوع مبارك ورجال الحزب الوطنى وقادة أحزاب سياسية وإعلاميين ممن لهم مصلحة فى بقاء الانقلاب العسكرى الدموى والنخبة المرتبطة بالسلطة، وجميعهم يؤيدون الانقلاب العسكرى، ومن هنا لا يجوز لهؤلاء أن يفوضوا أنفسهم ويتحدثوا باسم الشعب المصرى وهم فى الحقيقة لا يعبرون عن مصر بل يسيئون إليها، فأولئك معروف تاريخهم؛ منهم المتهم بتورطه فى موقعة الجمل، ومن بينهم المتحولون وفلول الحزب الوطنى وما إلى ذلك. "الحرية والعدالة" تستعرض فى السطور التالية الزيارات التى قام بها الوفد الدبلوماسى الشعبى وطبيعة تشكيلها وطرق تمويلها. زيارة روسيا تعد زيارة روسيا أولى الزيارات التى قام بها الوفد الدبلوماسى الشعبى المصرى فى نوفمبر الماضى، وتمت تحت مسمى "تدعيم العلاقات بين البلدين" استمرت لمدة 3 أيام، ترأس هذا الوفد المرشح الرئاسى الخاسر أحمد شفيق، وضم الوفد أيضا كل من أحمد الفضالى منسق تيار الاستقلال –الذى كان متهما بتورطه فى موقعة الجمل-، والفقيه الدستورى يحيى الجمل، والسفير محمد العرابى رئيس حزب المؤتمر، والكاتب الصحفى مصطفى بكرى، وأسامة هيكل وزير الإعلام الأسبق، وأحمد زكى بدر وزير التعليم الأسبق، ووائل الإبراشى، والإعلاميتين رانيا بدوى وريم ماجد، والقمص لويس عويضة ممثل الكنيسة، والشيخ علوى أمين ممثل الأزهر، والمستشار يحيى قدرى رئيس حزب الحركة الوطنية وغيرهم. ولعل ما قاله أحمد المسلمانى -المستشار الإعلامى لعدلى منصور- خلال المؤتمر الذى عقده الوفد بعد عودته "إن الرئاسة رحبت بفكرة الزيارة، وقامت بإبلاغ وزارة الخارجية لتسهيل مهام الزيارة"، يؤكد الصلة القوية بين هذا الوفد وسلطة الانقلاب وهو ما يثبت أنه وفد نخبوى وليس شعبيا. وعقب انتهاء زيارة الوفد لروسيا كشفت صحيفة كومرسيان الروسية واسعة الانتشار أن الوفد الشعبى المصرى الذى زار روسيا ويرأسه أحمد شفيق أفصح عن إمكانية سماح السلطات الانقلابية فى مصر بتمكين إنشاء روسيا قواعد عسكرية لها فى مصر، وهو ما أثار غضب الكثيرين، حيث يعتبر بمثابة الاستعمار الناعم، ويثبت أنهم على استعداد تام للتنازل والتنازل باعتباره الخيار الوحيد المتوافر لديهم. زيارة الصين لم تمر أيام على زيارة هذا الوفد لروسيا حيث قام بزيارة أخرى إلى الصين خلال الأيام القليلة الماضية، استغرقت 4 أيام، وتحت مسمى آخر يختلف هذه المرة عن سابقتها "زيادة الفرص الاستثمارية فى مصر، وزيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين". ضم الوفد أكثر من 30 شخصية؛ من بينهم محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق ورئيس حزب المؤتمر، والمستشار أحمد الفضالى منسق عام الوفد ورئيس تيار الاستقلال؛ والدكتور أحمد زكى بدر وزير التعليم الأسبق، والدكتور يحيى الجمل، ووزير الإعلام السابق أسامة هيكل، والإعلامى مفيد فوزى، ونائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط على حسن، والدكتور صفوت النحاس أمين عام مجلس الوزراء الأسبق، واللواء سامح سيف اليزل، ومحمد برغش نقيب الفلاحين، والإعلامية دينا فاروق، ومارجريت عازر، والمهندس حمدى الفخرانى، والسيد عبد العال رئيس حزب التجمع. زيارة الإمارات كان للإمارات نصيب فى هذه التحركات، باعتبارها من الدول ليست الداعمة للانقلاب فقط بل المشاركة فيه، حيث زار الوفد الشعبى الإمارات لتقديم الشكر إليها لموقفها الداعم للانقلاب فى مصر. ضم الوفد عددا كبيرا جدا من المشاركين؛ من بينهم حمدين صباحى، المرشح الرئاسى الخاسر ومؤسس التيار الشعبى، والسيد البدوى رئيس حزب الوفد، ومارجريت عازر السكرتير العام لحزب المصريين الأحرار، والكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد، والدكتور وحيد عبد المجيد، والمفكر عمار على حسن، إضافة إلى ممثلين عن جبهة الإنقاذ والجبهة الوطنية للتغيير وأحزاب المصريين الأحرار والكرامة والمصرى الديمقراطى الاجتماعى، بخلاف عدد آخر من الفنانين والإعلاميين، بينهم المخرج السينمائى خالد يوسف والإعلامى خيرى رمضان. وضم الوفد أيضا الدكتور يحيى الجمل، ووزير الإعلام الأسبق أسامة هيكل، والإعلامى مفيد فوزى، والخبير الإستراتيجى سامح سيف اليزل، والإعلامى وائل الإبراشى، ونائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط على حسن، والإعلامى عادل حمودة، وماريان ملاك صليب، والإعلامى مصطفى بكرى، والكاتب الصحفى ياسر رزق، والإعلامى خالد صلاح، والإعلامى أحمد موسى، وأحمد الفضالى، وبولس سليمان، وأحمد زكى بدر، ومحمد العراب، وحسن يونس، ويحيى قدرى، وسيد عبد العال، ونصر سليمان، وحفظى زايد، وحمدى الفخرانى، وحسين جاد، ورانيا بدوى، ومحمود مسلم، ومحمد برغش. ولعله يخطر ببال القارئ بعد عرض طبيعة تشكيل هذه الوفود تساؤلات عدة حول مَنْ المسئول عن تحمل نفقات هذه التحركات؟!. هل تتحمل الدولة مسئولية التمويل مما يمثل إهدارا للمال العام؟! أم يتكفل المشاركون فى الوفود بدفع هذه النفقات؟! خاصة أنه يشارك فى هذه الوفود عدد كبير من الشخصيات وتستغرق الزيارة عدة أيام وهذا ما يمثل تكاليف ونفقات جمة. هذه التساؤلات والشكوك تتطلب المزيد من الإيضاحات والشفافية حول تمويل هذه الزيارات، إذا كانت تتم على نفقة الدولة، فإنها تمثل إهدارا للمال العام وإذا كانت من نفقات المشاركين الخاصة فعليهم توفيرها لدعم الاقتصاد المصرى إذا كانوا يسعون إلى خدمة مصالح البلد كما يدّعون. الحصار الدولى تعليقا على الدور المنوط به هذه الوفود يرى الدكتور أحمد التهامى -الباحث فى الشئون السياسية- أن الوفود الدبلوماسية الشعبية التى تسعى إلى توطيد العلاقات بين البلدان من المفترض أن تتوجه إلى الشعوب ومنظمات المجتمع المدنى، موضحا أن الوفود الشعبية المصرية لا ينطبق عليها هذا المعيار الحقيقى، إذ تتوجه إلى الحكومات وليس الشعوب، لافتا إلى أن الحكومات تتواصل مع بعضها من خلال السفارات. ويوضح "التهامى" أن الوفد الذى زار الصينوروسيا مؤخرا ذهب بهدف خدمة سلطة الانقلاب وليس لخدمة الصالح العام، مشيرا إلى أن الانقلاب فى حالة حصار دولى، حيث تجمدت عضوية مصر فى الاتحاد الإفريقى، إضافة إلى وجود تحفظ كبير من جانب دول كثيرة فى التعامل مع مصر بعد حدوث الانقلاب العسكرى. ويضيف: "إن هذه الوفود تسعى إلى دعم السلطة الحالية من خلال تحفيز ودفع واستجداء بعض المساندة من القوى الدولية، وهذا يظهر فى طبيعة تشكيل تلك الوفود التى غالبا ما تضم ممثلين من قادة الأحزاب السياسية ولواءات سابقين وإعلاميين وهم يمثلون جزءا سياسيا مرتبطا بالانقلاب وليسوا مكونا شعبيا خالصا كما يدّعون". ويتابع "التهامى": "إنه شيء مؤسف أن يكون بالوفد هذه النوعية بالذات التى تتحرك فى مثل هذه الأمور، فهى إما متهمة فى أحداث موقعة الجمل أو متقلبة ومتلونة مما يسىء إلى فكرة الطابع الشعبى"، مؤكدا أن هؤلاء لا يمثلون الشعب المصرى لكنهم جزء من النخبة المرتبطة بسلطة الانقلاب، وبالتالى يمثلون فعلا نخبويا وليس تحركا شعبيا. ويستطرد الباحث السياسى قائلا: "ولعل تأييد المستشار عدلى منصور –المعين من سطلة الانقلاب لهذه الوفود الدبلوماسية الشعبية- يفسر خدمة تلك الوفود لسلطة الانقلاب ومحاولة فك الحصار وخلق شريحة دولية تدعمه وإضفاء الشرعية عليها، وهنا تكاد تكون تلك الوفود رسمية موجهة". ويشير إلى أن هناك حالة من الغموض تكتنف ما يتعلق بعملية التمويل، حيث تُثار علامات استفهام حول تكلفة هذه الزيارات من الذى يمولها وبخاصة فى ظل غياب الشفافية واختفاء المعلومات حولها، منوها أنه من الممكن أن تتحمل هذه الوفود تكلفة تحركاتها. ويقول "التهامى": "أظن أن التمويل غالبا ما يكون مرتبط بالدولة حيث تمول هذه التحركات بعض الجهات المرتبطة بالدولة بشكل مباشر أو غير مباشر"، موضحا أنه فى هذه الحالة يكون إهدارا للمال العام، خاصة أن هناك سفارات وقنصليات للدولة فى مختلف دول العالم من شأنها تقوم بهذه الأدوار، وهنا يعتبر إهدار مال عام من جهتين، مشيرا إلى أن بعض المشاركين فى الوفود يعتبر هذه الزيارات بمثابة فرصة للسفر والتنزه وربما للتسوق أكثر منها عمل جدى. تجميل الوجه القبيح من جانبه يقول محمود نصير -عضو التحالف الوطنى لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، المتحدث الإعلامى لحزب الأصالة-: إن مثل هذه الوفود الشعبية لا تعبر سوى عن الانقلاب العسكرى، فهى بمنزلة "الماكياج" وتسعى إلى تجميل وجهه القبيح، موضحا أنها لا تعدو عن كونها مناورات وفرقعات إعلامية وتمثيلية أكثر منها تحرك فعلى، مشيرا إلى أن الانقلاب معروف أنه تم تحت رعاية أمريكية كاملة، ومن ثَم فإن الصينوروسيا يستحيل أن تقيما أية مشروعات فى مصر. ويوضح أن الشخصيات المشاركة فى تلك الوفود معروف تاريخها وهمها إيصال بعض الرسائل، لافتا إلى أنهم غير محسوبين على الشعب أو السياسيين، وهم مجموعة من المتسولين –حسب قوله- سواء فى مجال الصناعة أو السياحة ولا يوجد لديهم أى إطار أو منظومة برامج ومشروعات حقيقية، مؤكدا أن هذا لا يعنى سوى تجميل صورة الانقلاب وإظهار أن هناك حركة على أرض الواقع وهناك قبول شعبى إلى آخره. ويضيف نُصير: "نحن كأنصار الشرعية لا تعنينا كل هذه التحركات إلى الخارج؛ لأنها تتم فى إطارها غير الشرعى"، وتساءل عن الممول الفعلى لكل هذه الرحلات قائلا: "هناك علامات استفهام حول تمويل هذه الرحلات –وإن كان الممولون معروفون ولا نستطيع أن نذكرهم بالتحديد- مؤكدا أنها إن ثبتت أنها من خزينة الدولة فإنها فى ذلك الوقت تصبح إهدارا للمال العام ولا بد من محاسبتهم، أما إن كانت من أموالهم الخاصة فإنه يتعين عليهم أن يوفروها لتدعيم الاقتصاد المصرى المنهار.