وأصل المثل "الحرة لا تأكل بثدييها"، وذلك أن العرب كانت تستنكر على المرأة الحرة أن تعمل مرضعة بالأجر، لكن الفولكلور المصرى حوَّل المثل إلى أن الحرة مهما افتقرت فهى لا تبيع شرفها، ويبدو أن الشعب كان يعرِّف الفارق بين الشرعية والانقلابية، لذلك فلا مانع -فيما يبدو- من أن تأكل الانقلابية بثدييها. حيث الانقلابية هنا أنواع: أولا: العسكر واضح أنهم يقاومون لآخر نَفَس، وواضح أن مقاومتهم أصبحت خارج الحدود المصرية، لقد أتت مصائبهم الداخلية تباعًا، فلم تعد شريحة من الشعب إلا ودهمتها مصيبة؛ فالذين ينتظرون الأمن رأوا قوانين الغاب تحكم الشارع، والذين ينتظرون الاقتصاد رأوا هروب الاستثمار والسياحة والتصنيفات الاقتصادية المتدنية ومد اليد وسؤال اللئيم. والذين ينتظرون لقمة عيش حاف فقدوها بعد نار الأسعار، والتقاتل على أنبوبة الغاز بدأ، والصراع على رغيف الخبز فى الطريق، وقريبا سنسمع عن شهيد البطاطس، وقتيل الطماطم، وضحية الكوسة! أما الذين ينتظرون مذاق الانتصارات ولو كان فى الرياضة فلن يجدوها عند فهلوية العسكر، والقدر يجعل أبطال المرحلة من "الربعاوية" أمثال "أبو تريكة" و"عبد الظاهر"، وهذا ما يفسر الحقد والغل الانقلابى على الشباب الناجح بالملاعب المختلفة. لكن الواقع أن النكسات متوالية والعسكر لا يراهنون على الشعب المنكوس بهم. بيد أن فروض الولاء لأمريكا لم تأتِ بالحل بسبب ظروف الإدارة الأمريكية الداخلية. إذن نفعل ما فعله "عبد الناصر"؛ نداعب أمريكابروسيا، ولكن روسيا (العظمى) زمان غير روسيا (الصغرى) اليوم، ولكن لا مانع، فما عسانا أن نفعل نحن العسكر؟!... قبَّلنا يد الصهاينة بحصار "حماس" وتدمير الأنفاق، ومنحنا اليهود رقابة وسيطرة على أهم منفذ ملاحى فى العالم -ومعه أمننا وشرفنا- عن طريق شركة "سيجال ماريتيم سيكيوريتى"، وعندما انكشفنا أنكرنا؟ وبعنا قبلها الأراضى شرق وغرب قناة السويس للإمارات وإسرائيل لتجميد مشروع محور القناة، وما زال تهديد وزير خارجيتنا لحماس ماثلا أمام الكافة. ورغم كل ذلك فقد كانت مفاجأة أن يعلن "ناصر الصانع" (رئيس لجنة الإدارة بالمنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد) عن وجود توجه لدى دول الخليج التى دعمت الانقلاب بالتراجع عن تقديم الدعم المالى!! وكل ما فعله العسكر للصهاينة لم يشفع عند "أوباما" فعلق المعونة مضطرًا. إذن لا حل إلا الأحضان الروسية ورمز الصداقة فى السد العالى وخروشوف وعبد الناصر والتاريخ والذى منه. وفعلًا ينقل "زاور شاوج" مدير مكتب الجزيرة "بروسيا" أن الصحف الروسية المعتبرة تنقل أريحية "وفد السيسى الشعبى" فى الاستعداد لمنح روسيا منشآت ذات طابع خاص، فُسِّرت على أنها قواعد عسكرية، وبالفعل يصل الطراد الروسى رمز البحرية الروسية إلى الإسكندرية الثلاثاء 12/11 فى زيارة تاريخية لتنعقد بعدها (الخميس) المباحثات الرباعية بين كل من وزراء خارجية ودفاع روسيا والانقلاب، والتى ستكون نتائجها سرية نظرا لفداحة الثمن الذى سيدفعه السيسى ليحظى بدعم روسيا "الغلبانة" يكون المنفذ للدعم الأمريكى. إن العسكر يأكلون بأثدائهم. ثانيا: المثقفون والقوى السياسية هؤلاء الذين أهدروا كل حقائق السياسة وبناء الدول لأنهم اكتشفوا أنها لم تعد "تؤكِّل عيشا"، وأن التعرى من المبادئ، وقلب الحقائق والوقوف فى طابور الخيانة هو الذى أصبح يؤكِّل عيش سرايا... وبقلاوة. ثم رأينا المثقفين على آثار الساسة مقتدين. فهذا نساؤه "حبلى بنجم السيسى"، وهذه اعتبرت عرضها مباحًا وملك يمين له، وكنا قد شنَّفت آذاننا آيات المديح للبطل الأمجد بأقلام وأفواه كبار المثقفين ورأينا أكاذيب عشنا عليها مثل "جويدة" و"سكينة"، وهما يسبحان بحمد الطاغية ويبرران القتل والدم رغم القصائد النضالية للأول التى أدمعتنا، وكتابات الثانية عن القمح التى حازت احترامنا. كم دقيقة يمكنك أن تتحملها مشاهدا "لسليمان جودة"؟ وما هو شعورك وأنت تشاهد "محمد يوسف المصرى" أو "أميرة العايدى" أو "حسام فودة" أو "أحمد ناصر"، أو "ياسر الهوارى"، أو "محمود عطية" أو "حسن نافعة" أو "عمرو هاشم ربيع" أو "بكار" وووو... إلخ. ما شعورك إذا اكتشفت فجأة أنهم مصريون؟؟... إى والله ومن مصر كمان! لماذا -إذن- لا يستمر ساسة ومثقفون كهؤلاء فى تطهير الدستور من أى شائبة إسلامية؟ّ! ولماذا لا يعتبرون حكم العسكر عارا ولا خيانة لمبادئ الثورة؟ ولماذا لا يعتبرون أن إقصاء فريق من السياسة بل من المجتمع هو نذير ديكتاتورية تنهار بالوطن كله؟ إنهم يحسبونها. يقولون لأنفسهم: فى ظل العسكر سنحيا كأغلبية سياسية وثقافية، وسنشكل الوزارات، ونرشح الرؤساء، ونملأ الشاشات. ومعنا "البراهمة" و"جمعة" سيتكفلون بشرعنة كل تصرفاتنا. أما فى العهد الديمقراطى: فنحن أقلية كسيحة، لا سند شعبى لنا، نظل نجعجع فإذا جاء الاختبار الانتخابى فُضحنا، ولا أمل لنا لتشكيل قاعدة جماهيرية، والإسلاميون كالقطار يدوسون ولا يتوقفون. وإذا سألت عن الوطن، فالمحترم سيقول لك: هذا أمر واقع لا نملك تغييره، ومن الحكمة التعامل معه. أما غالبهم سيتبجح ويقول: الجيش وقف مع الشعب فى ثورته!. وإذا رأينا منه اعوجاجا سننزل الشارع مرة أخرى ونسقطه... لا يا شييييييييخ!! ولا تسلهم عن تغييب الشعب الذى ضحى من أجل حريته، فسيقولون لك: ما زال شعبنا لا يصلح للديمقراطية، الفقر والجهل يا سيدى!! لكن هذا كلام "مبارك" وكل المستبدين. سيردون: إنه كلام سليم ولكن كان يستخدمه "مبارك" للبقاء، أما نحن فمن الشعب وإليه... حنضحك على بعض ولا إييييييه؟! غشاشون -إذن- هذا الجيل من ساسة "مبارك" ومثقفيه، لا يمكننا بعد الآن أن نضع هذه القوى السياسية محل اعتبار، ولا أن نحترم منتفعى الأهرام والأخبار وروز اليوسف وتوابعهم وفضائياتهم، لا ينبغى أن نخدع أنفسنا بأن الذى ظل آمنا طوال سنوات القمع يمكن أن يكون حرًا فى لحظة الثورة. فهؤلاء يأكلون بأثدائهم. ثالثًا: الثوريون شبابنا الذين كانوا يلومون "الإخوان" على أنهم لم يبذلوا الجهد الكافى للتعاون مع شباب الثوار هم الذين يلوموننا الآن على ندائنا لهؤلاء الشباب بالتوحد من أجل الوطن، فالفجيعة كبيرة فى هؤلاء الثوار (أو أغلبهم)، ولا ندرى أين ذهبت الشجاعة؟ ولماذا كل هذا السكوت على القيم المهدرة والوطن المعروض فى سوق النخاسة، والشعب المُغيَّب، والأرض التى تُسلَّم للمحتلين الجدد!! لا أحد من هؤلاء الشباب يحتاج "قناة الجزيرة" ولا مفكريها ليقنعهم، فهم يرون فتيات تعتقل بسبب وقفة سلمية، وأحكاما مؤبدة لشباب الأزهر يصدرها قضاة الانقلاب، فلم تعد القضية "باعونا فى محمد محمود" ولا "حديث الصفقات" فهذه ستائر دخان للانسحاب. واضح أن الذى تربى على التضحية يختلف عمن وجد نفسه فجأة ثائرًا وفى خلال 18 يومًا نجحت ثورته، وظنوا أن "مصر" قد أصبحت بلدهم وأن الطغاة رحلوا، وأن الشجاعة والإقدام منحصرة فى وضع البرسيم أمام "بيت الرئيس المنتخب"، أو رقصة "الهارلم شيك" أمام المركز العام "للإخوان"، أو حتى هدم وحرق مقراتهم... بأمان وطمان!! الآن ينطق هؤلاء كلمات مبعثرة ويتحدثون بنصف لسان وعُشر شجاعة وأصبحت لهم حسابات وحسابات، ونتوقع أن يلحقوا بالثورة بعد أن تؤتى أكلها وبعد أن ينفض المتآمرون العرب أياديهم من "السيسى"، هنا سيأتى الشباب الثائر (سابقا) ليركب الثورة وليتحدث باسمها وليفرض شروطه، ويومها سيقول له الشهداء والجرحى والمعتقلون والمطاردون: لا يا سيدى قف مكانك وعد إلى حجمك. أخذت موضع النجوم كثيرا، واستفدت من (زعامتك) الثورية كثيرا. الآن تحسبها لنفسك.. لا للوطن. الآن تخشى التضحية برفاهية السكون مع أكذوبة (ثورة 30 يونيو!). الآن تأكل بثدييك. كلهم يبيعون الوطن... فمن يشتريه؟ هل أخطأنا بتسامحنا وسكوتنا؟ هل فرطنا يوم أردنا مرحلة انتقالية توافقية ورئيسا توافقيا ودستورا توافقيا؟ لقد أردنا التوافق ولكننا ندفع ثمن الأخونة! أردنا الوحدة وندفع ثمن التفريق! أردنا حقن الدماء وندفع ثمن إسالتها! نشرنا الحرية وندفع ثمن الاستبداد! أى ظلم... وأى عهر... وأى خداع هذا؟! لا يمكن أن يستمر هؤلاء... ولا يمكن أن تتسامح معهم أجيال الثورة الحالية. انفضوا أيديكم أيها الثوار الحقيقيون من هذه الطغمة "المعسكرة" الموبوءة كلها. الآن والآن فقط، من يلحق بالركب سيدرك المجاهدين، أما بعد أن تضع المعركة أوزارها فلا فضل ولا أجر. مع كل تصرف مجنون للعسكر ينبغى أن يكون رد فعل الثورة مدمدمًا؛ فالشعب مغيب ومسكين ومحتار، ولا أمل له فى النجاة إلا فى هذه الثورة وفى هؤلاء المخلصين من الثوار. لا رجوع.