نشرت هيئة الإذاعة البريطانية أمس تقريرا سلطت فيه الضوء على الانهيارات المتتالية في مستويات معيشة المصريين خاصة الطبقة المتوسطة والفقيرة اللتان تعانيان من ارتفاع متزايد للأسعار، ورصدت “بي بي سي” كيف أصبحت أسعار المأكولات الشعبية “الفول والفلافل” تحت حكم العسكر، وذلك بالتزامن مع الارتفاعات الجنونية في أسعار اللحوم والدواجن. وقالت بي بي سي إن المصريين يأنون حاليا من الصعوبات المعيشية، وحتى الأكلات التي كانوا يعتمدون عليها لسد جوعهم ارتفعت أسعارها بصورة مبالغ فيها، نتتيجة قرارات نظام الانقلاب وقائده عبد الفتاح السيسي، وجاء التقرير على النحو الآت.. عربة الفول “في وقت الظهيرة، وفي حارة تتفرع من شارع رئيسي بحي امبابة بالجيزة، تراصت عدة مناضد طعام متواضعة على الرصيف على جانبي الشارع أمام محال تجارية مغلقة. وكانت تلك المناضد تعج بشباب يعملون في حرف مختلفة بالمنطقة، وأطفال خرجوا للتو من مدارسهم، وسيدات كبار وشابات خرجن لقضاء بعض حوائجهن، جلسوا جميعا يتناولون وجبة الإفطار والغداء في آن واحد، إلى جوار عربة متنقلة لبيع الفول والفلافل. عربة بيع الفول والفلافل يعمل عليها ستة أو سبعة من الشباب. إثنان منهم يعدان الأطباق باستخدام “مغرفة” ذات يد طويلة من قِدْر كبيرة لا تظهر منها إلا فوهتها، والباقون يوزعون الأطباق وينظفون الأماكن. عبوات البهارات والزيوت والسلطات التي تكمل الوجبات تراصت أمام الشابين اللذين لا يتوقفان عن العمل لكثرة الطلبات من الزبائن الجالسين والواقفين. بدا الزبائن في تلك المنطقة، التي يقطنها بالأساس عمال وحرفيون وموظفون متوسطو الحال، متأثرين بقرار اتخذه صاحب العربة مؤخرا بزيادة قيمة الوجبات بنسبة عشرين إلى ثلاثين في المئة. ارتفاع خرافي اعتاد هؤلاء حتى وقت قريب على أن يحصلوا على وجبة معقولة تضم طبق فول وثلاث قطع فلافل متوسطة الحجم وطبق سلطة مضافا إليه بصلة وليمونة، بنحو خمسة إلى سبعة جنيهات وتكفي لفرد واحد، إلا أن صاحب العربة يطالبهم الآن بنحو 10 إلى 12 جنيها مقابل الوجبة نفسها، بينما توقف البائع عن بيع الفول المخدوم بالبهارات أو من دونها في أكياس بلاستيكية للاستهلاك في المنزل بأقل من خمسة جنيهات، باستثناء زبائن يعرف أنهم أفقر من أن يدفعوا تلك الجنيهات الخمسة. أما أسعار الساندوتشات فزادت من جنيهين إلى ثلاثة أو أربعة جنيهات بحسب محتويات الساندوتش ونوعية الخدمة. وفي مناطق ومطاعم أخرى زاد سعر الساندوتش إلى خمسة جنيهات وأكثر. أحد الحرفيين الذي قدم له أحد العاملين على العربة وجبته للتو، قال إنه كان ينفق حتى وقت قريب بين 200 و 300 جنيه أسبوعيا على طعامه منفردا كوافد إلى العاصمة من الريف للعمل، وأضاف أنه الآن ينفق قرابة خمسمئة جنيه، سيما مع ارتفاع كلفة وجبات مثل الفول والفلافل التي يكتفي بها إفطارا وغداء لتخفيف فاتورة طعامه الأسبوعية. كثير من المصريين ممن اعتادوا تناول تلك الوجبة يوميا خارج المنزل لانخفاض ثمنها باتوا الآن أمام عبء جديد، لا سيما وأن زيادات مماثلة طالت جميع مفردات سلتهم الغذائية منذ بدأت الدولة تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016 تماشيا مع اتفاق للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي للخروج من أزمة خانقة يعيشها الاقتصاد المصري منذ 2011. غير أن أسعار الفول والفلافل، وهي أرخص الوجبات وجزء لا يتجزأ من مفردات إفطار المصريين بكل طبقاتهم، شهدت زيادة استثنائية في الأسابيع الأخيرة مع الزيادة الكبيرة في أسعار حبوب الفول وهي المكون الرئيس في تلك الوجبة. احتكار الكبار ونقلت بي بي سي عن عدد من التجار في سوق الغلال الرئيسية قولهم إن زيادة سعر الفول نجم عن زيادة كبيرة في فاتورة استيراده، بينما وجّه أحد التجار إصبع الاتهام لمجموعة سمّاها ب”الكبار” دون تحديد أسمائهم باحتكار السلعة المستوردة وتخزينها بهدف التربح منها. وقال رجب شحاتة عضو غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات إن هناك عملية احتكار للفول المستورد، مشيرا إلى أن هناك ارتفاعا عالميا في سعره نتيجة تراجع إنتاجيته في عدد من بلدان العالم بسبب عوامل الطقس، وغيرها، وكذا تراجع مساحة زراعته محليا، وتأخّر وزارة الزراعة في حكومة الانقلاب بمكافحة الآفات المضرة بالمحصول، فضلا عن تأخر تنفيذ سياسات تعزيز الإنتاج المحلي. لكن شحاتة كشف أن مصر تصدّر جزءا كبيرا من إنتاجها من الفول المحلي رغم ضآلته لجودته وسعره المرتفع، وفي المقابل تستورد الفول من بلدان مختلفة لسد العجز بالداخل، الأمر الذي يعني عدم اهتمام نظام الانقلاب بصحة المصريين من جانب واحتياجاتهم من جانب آخر، حيث تدخل خزينة العسكر إيرادات تصدير الفول، ويتم تحميل المواطنين فارق فاتورة الاستيراد. الزراعة تنهار وفي تصريحات له مؤخرا قال وزير الزراعة في حكومة الانقلاب عزالدين أبو ستيت إن المساحات المزروعة بالفول البلدي (المحلي) تراجعت من 350 ألف فدان قبل عام 2005 إلى أقل من 100 ألف فدان حاليا، مما تسبب في حدوث عجز في تلبية الاحتياجات المحلية من الفول البلدي. وذكرت شعبة الحاصلات الزراعية فى غرفة القاهرة التجارية في نهاية يناير الماضي أن سعر طن الفول المحلى سجّل 29 ألف جنيه ليصل للمستهلك بحوالى 32 جنيها للكيلو، ارتفاعا من نحو عشرة جنيهات في نفس التوقيت من العام الماضي، في حين ارتفع سعر طن الفول المستورد إلى 18 ألف جنيه حسب دولة المنشأ ليتراوح سعر الكيلو بين 16 و 22 جنيها للمستهلك.