قمت من النوم فجر الجمعة يوم 16 /10/1434ه الموافق 23/8/2013م، وصليت الفجر مع سجدة التلاوة الحبيبة إلى قلبي، وأنتظرها كل أسبوع فجر الجمعة، وقرأت الأذكار، وغلبني النوم حتى الثامنة، وقمت فصليت الضحى، ودار حوار راقي المبني والمعنى، وجاءتني بشرى لها مغزاها حيث حدثني من أثق بصلاحه وتقواه، وصدقه وورعه أنه رآني قبل فض ميدان رابعة بأسبوع أقف على المنصة أخطب وأحمِّس الناس بصوتي المبحوح، ثم أقسم فقال: رأيت الميدان يفض بطريقة بشعة، ثم بقي فارغا إلا من هالة ساطعة من النور الرباني، وجئتَ وحدك تقف على الأرض بميكروفون بدون منصة، ولا أحد حولك، فبكيت إشفاقا عليك، وقلت لك: لا أحد هنا بالميدان، فلماذا تخطب؟!!! فقلتَ لي: سيأتون إن شاء الله، وبعد وقت لم يطل وجدت آلاف الناس يأتون من كل جانب إلى ميدان رابعة فامتلأ وجهك بشرًا وفرحًا، وبقي المكان يغمره نور هائل يكسو الجميع، ومع أني لست بذاك في تفسير الرؤى، لكنها حقا - وسط غياهب الظلمات - فرّجت عني، وأسعدتني وأسهمت في مزيد من الأمل الذي أوقن به بشدة. وعدت إلى سلواي - بعد الله تعالى – إلى قلمي وأوراقي وكتبي، وانتهيت من كتابة ومراجعة رسالتي: "من وراء القضبان إلى أحبابي في الله من الإخوة والأخوات عشاق السعادة والشهادة"، وبعد الانتهاء من صياغتها ومراجعتها جاءت اللحظة الحرجة؛ حيث اقتربت صلاة الجمعة، وهو يوم عيد حقيقي بالنسبة لي، يختلف في ملامسة حبات قلبي عن كل الشعائر التعبدية؛ لأني مع ما وهبني الله تعالى من حب الكتابة والمحاضرة، والقراءة والمحاورة، لكن الخطابة بالنسبة لي عالم آخر، لا أشعر أني أعتلي منبر المسجد، بل أشعر أني أعتلي منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، وأن المنبر يرتفع برسول الله صلى الله عليه وسلم وبي معه وبجواره إلى جوار العرش، فخطبتي تدنيني لربي سبحانه ولحبيبي وسيدي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كنت في الجمعة الماضية خطيب مسجد الفتح برمسيس بأعداد تفوق المائتي ألف، وجاءت بعد الجمعة مسيرات ضخمة تقترب من المليون، وقامت الشرطة والجيش والبلطجية بقصف رهيب وضرب لم يقل عن يوم رابعة والنهضة بالطائرات والدبابات والمصفحات والآلي والخرطوش والسيوف والسواطير و......، وكنت أثبِّت المرابطين وأقوم بواجبي نحوهم، في تفصيل سأذكره في مكانه إن شاء الله، لكني اليوم سأذكر مشاعري الفتية الثرية، وانقباضة وهزة قلبي القوية، لأن وقت الجمعة يدخل ولا أستطيع أن أخرج لأصلي الجمعة في أي مسجد قريب بسبب الملاحقات الأمنية. آنئذ جالت بخاطري ذكرياتي مع شيخنا الجليل عبد الحميد كشك لما مُنع من الخطابة في عهد المخلوع مبارك، فكان كل يوم جمعة يغتسل غسل الجمعة، ويلبس عمامته وزيه الأزهري المهيب، ويقوم ليصلي ركعتين، ويدعو على مبارك وأجهزة ظلمه، قائلا: "اللهم إني قد أعددت نفسي لتبليغ رسالتك من فوق منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن مبارك وزبانيته يمنعونني؛ فاكتب لي أجر الدعاة المخلصين، وعليهم جزاء مناعٍ للخير معتد أثيم"، فقمت للحمَّام مرددا قول الله تعالى: " مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ" (القلم:12)، واغتسلتُ بنية صلاة الجمعة الافتراضية، ودعوت على مبارك والسيسي وزبانيتهم بدعاء الشيخ كشك، وأمعنت في الدعاء على السيسي وأعوانه من ضباط جيش وشرطة وإعلام وقضاء وبلطجية وقلت رب:" أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ" (القمر: من الآية10)، "رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ" (الأنبياء: من الآية89)، وصليتُ ركعتين أنتظر وقت صلاة الجمعة، وفتحتُ التلفاز كي أطمئن على مصرنا وقدسنا وسوريا وأمتي ، حتى يدخل وقت صلاة الجمعة، وذهبتُ لإحدى قنواتي المفضلة " القدس" وفجأة قطعوا الإرسال عن أنشودة رائعة لأحد اللاجئين "ما أنساك يا بلادي"، وسكبت عيني دموعاً على مصر أمي المسلوبة المغصوبة، وقالت المذيعة: سننقل خطبة الجمعة الآن من القدس الشريف، قرية "كفر قرع" للشيخ رائد صلاح، فقلت الحمد لله سأصلي الجمعة في القدس بقلبي وروحي واستماعي لحِبي في الله الشيخ المجاهد رائد صلاح، فاستبشرت خيرًا، وقلت غدا - إن شاء الله - تتحرر بنا مصر أولا، وسوريا ثانيا، والقدس قريبا، ولقد أبدع شيخنا في رسائله التي دارت حول ما يلي: 1- ذكر أن بني إسرائيل خططوا مرارًا لحرق المسجد الأقصى، وكان أشدها 21 /8 /1980م، واليوم يقوم السيسي بحرق مصر، والأسد يحرق سوريا بمؤامرة يشترك فيها الصهاينة والأمريكان وإيران والروس وأعداء الإسلام في الأرض، لكن الله لهم جميعا بالمرصاد. 2- العالم يخادع المسلمين الصادقين، فانتبهوا أيها المؤمنون؛ فقد أحرقوا العراق لمجرد الشك أن هناك سلاحًا كيماويا في العراق، بينما لم يفعلوا شيئا لمجزرة عينية رآها العالم نفذها الأسد بالكيماوي فقتل 1500، وأصاب 10000 من أهلنا في سوريا، فيجب أن نثق فقط في نصر الله، ثم في سواعد أبناء أمتنا المرابطين. 3- محنة مصر في كل أجهزتها العسكرية والشرطية والبلطجية عامة،والقضاء خاصة الذي يبرئ المخلوع مبارك المجرم الأكبر في مصر وغزة وفلسطين والأمة العربية والإسلامية، ويضع في السجن رئيسها الشرعي المنتخب الحُر الأبي الذي كان يتابع الشأن الفلسطيني يوميا. 4- أعلن الشيخ رائد صلاح البراءة واللوم الشديد لكل مسئول فلسطيني يتعاضد مع العسكر بمصر، أو يقف ضد الربيع العربي بمنع المسيرات الفلسطينية ضد الانقلاب العسكري بمصر، ملتقيًا في ذلك مع محور الشر في مصر والصهاينة وإيران وأمريكا وروسيا. 5- طلب من المصلين أن يرفعوا أيديهم ويبسطوا أربعة أصابع في إشارة الصمود مع معتصمي رابعة التي انتقلت مكانًا فصارت رمزا في العالم كله، ودعا فقال: كلنا صمود مع مرابطي رابعة، وريف دمشق، وأحرار العراق والربيع العربي، وبشَّر بنصر من الله قريب، ودعا لشهداء أسطول الحرية والانتفاضة الأولى، وانتفاضة الأقصى، والفرقان، وشهداء رابعة والنهضة ورمسيس، وسيناء وسجن أبي زعبل وشهداء ريف دمشق، وديالى وسوريا كلها، وبورما وأفغانستان والقوقاز و... وسأل الله أن يجمعهم بالشهيد محمد الدرة، وشهداء الأمة. ثم صلى الجمعة وصلاة الغائب على أرواح الشهداء في مصر وسوريا وكل مكان في الأرض، وختمت مراسم الخطبة في القدس بأنشودة "يا دماء الميادين". ولما انتهيت معهم تذكرت أن الفقه يوجب أن أصلى الجمعة ظهرًا فردًا وقهرًا، فدعوت الله سرًا وجهرًا أن يزيل عن مصر حكم البلطجية من الانقلابيين الدمويين، الذين حرموني وغيري من خطبة الجمعة في أحب البقاع إلى الله المساجد في مصر، أو الاعتصامات الكبرى، أو في بلاد الله الواسعة، واليوم تضيق الأمور لتتسع، وتختنق لتنفرج، وتشتد لتلين، وتحتد لتهون، ولنا في مصر وسوريا وفلسطين وأمة الإسلام والمسلمين ربُّ يحمينا من فراعنة الأرض أجمعين، " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " (يوسف: من الآية21). وغدا - بإذن الله- تزول القيود، وتنكسر السدود، وتنفتح الحدود، ونحرر أمة الإسلام من العبودية لليهود، وتكون مصر منارة، والقدس حرة، والأمة شاهدة، والشريعة سائدة، والمؤامرات بائدة، "وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا" (الإسراء: من الآية 51). والله ولي التوفيق..