تسعى أمريكا في الآونة الأخيرة عبر كل مؤسساتها وحلفائها الأوروبيين والأنظمة العربية العميلة لها وعلى رأسهم الامارات العربية والمملكة السعودية، في محاولة للتنصل من مسؤولياتها في الانقلاب العسكري الذي نفذته عصبة من الجنرالات بقيادة الفريق عبد الفتح السيسي وزير الدفاع في حكومة الرئيس المصري المخطوف الدكتور محمد مرسي. بعدما تراءى لها فشل الخطة الانقلابية التي وضع خطتها حليفها التاريخي والاستراتيجي في مصر، مستشار الرئيس السابق جمال عبد الناصر، الإعلامي والمحلل السياسي محمد حسنين هيكل، تحت الرعاية السامية للسفيرة الأمريكية " آن باترسون" ملكة مصر الحقيقية والرئيسة النافذة الأمر وما الجيش إلا آلة مشتراة لتنفيذ هذا المخطط الانقلابي وبتمويل من آل نهيان وآل سعود وغطاء سياسي من العلمانيين المنضويين داخل "جبهة الانقاذ" وحركة شبابية من صناعة أجهزة المخابرات أطلق عليها "حركة تمرد" وتسويق الإعلام المصري الأسود ومباركة قضاة فاسدين. أهداف المخطط الانقلابي يهدف المخطط الانقلابي إلى تحقيق أمرين أساسيين: 1- إعادة شبكات نظام مبارك للمشهد السياسي وتقوية الدولة العميقة، لتصبح شريكا أساسيا في الحكم، أيا كانت السلطة المنتخبة مع جعل هذه الدولة العميقة تحت قيادة عسكرية مركزية. 2- التقنين لنظام سياسي يقوم على نموذج الدولة القومية العلمانية. فالصراع القائم في مصر حاليا يدور أساسا بين نظام إسلامي مدني في طور التشكيل جاء عبر آليات الديمقراطية ومحاولة فرض نظام قومي علماني عبر عسكرة الدولة لأنها الوسيلة الوحيدة لحماية العلمانية المفروضة على المجتمع. الدلائل القطعية الثبوت لرعاية أمريكا للانقلاب 1- أثناء الثورة : كلنا يتذكر أن ثورة 25 يناير 2011م، قامت على غير ما تريده أمريكا، لأنها ثارت على نظام تابع ذليل لسياسة الغرب ورئيس كان يمثل كنزا إستراتيجيا لإسرائيل، وكلنا يتذكر أن أمريكا لم تعترف بالثورة إلا عندما أيقنت أن عميلها المخلوع لا مناص من رحيله. 2- بعد الثورة : حاولت أمريكا إجهاض الثورة في بدايتها عندما أنفقت 105 مليون دولار على منظمات مصرية وأجنبية لإحداث فوضى في مصر، وقد افتضحت هذه الخطة التي عرفت تحت اسم قضية التمويل الأجنبي، والتي تم تهريب جميع المتهمين الأجانب فيها. ولقد اعترفت السفيرة الامريكية في مصر "آن باترسون" في الكونجرس الأمريكي بإنفاق هذه الأموال على منظمات مصرية وأجنبية لإحداث الفوضى في مصر، وشهدت الوزيرة "فايزة أبو النجا" بأن هذه الأموال كان الهدف من إنفاقها هو إجهاض الثورة المصرية. 3- عند انتخاب الرئيس المخطوف الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني: - انتهجت أمريكا في هذه المرحلة سياسة الاحتواء، للاحتفاظ بمصالحها في مصر، والحفاظ على استمرار تبعيتها للسياسة الأمريكية، وحرصت على استمرار مصر حليفة لها ضمن ما يعرف بدول محور الاعتدال، كما حرصت أمريكا على إبقاء مصر دول ضعيفة محتاجة لأمريكا في الغداء والدواء والسلاح. - ضغطت أمريكا على صندوق النقد الدولي لتعويق القرض المقرر لمصر، كما حرصت أمريكا على إبقاء مصر دولة ضعيفة إزاء إسرائيل وحامية لها من أي تغيير في السياسة العربية اتجاهها. - كشفت أمريكا عن عدم رضاها عن قيام نظام يتبنى المشروع الإسلامي الحضاري للدولة المصرية على حساب النموذج العلماني الغربي. فلما وجدت أمريكا معارضة ورفضاً من قبل النظام الجديد في مصر بقيادة الرئيس المخطوف محمد مرسي للإبقاء على الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في القرار السياسي المصري وحرصه على استقلاليته، حيث أكد مرارا على رغبته في أن تنتج مصر غذاءها ودواءها وسلاحها، وجعل العلاقة مع إسرائيل في حدها الأدنى. بالمقابل قوى علاقته بالفلسطينيين وسعى لأجل تحقيق المصالحة بينهم، كما سعى إلى توسيع علاقة مصر بكثير من دول العالم، منها على سبيل المثال لا الحصر روسيا والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل حتى لا تبقى العلاقة محصورة مع أمريكا وإسرائيل كما كان عليه الحال في ظل النظام السابق. كما سعى الرئيس المخطوف محمد مرسي في تفعيل المشروع الاسلامي محل المشروع العلماني الغربي، وهذا ما أثار حفيظة أمريكا وبدأت في تحريك الأحزاب العلمانية في محاولة لإفشاله عن طريق المظاهرات المخربة التي استخدمت فيها الأموال الخليجية القادمة من دولتي الإمارات والمملكة السعودية، والبلطجية للتأثير على الأمن والاقتصاد. وبدأ الحصار الاقتصادي وافتعال المشكلات حول الضروريات الحياتية من الوقود والكهرباء لتأليب الجماهير ضد النظام الناشئ. في ظل هذه الأجواء والظروف طلبت السفيرة الأمريكية في مصر "آن باترسون" ووزير خارجيتها وبعض القادة الاوروبيين من الرئيس المخطوف محمد مرسي تعيين الدكتور محمد البرادعي الوافد من الغرب رئيسا للوزراء ومنحه صلاحيات واسعة ليسير بالسياسة المصرية في الطريق المرسوم أمريكيا، إلا أن الرئيس محمد مرسي رفض رفضا قاطعا هذه الإملاءات التي تزامنت مع رفض الأحزاب العلمانية المنضوية في جبهة الإنقاذ كل دعوات الرئيس مرسي للحوار والمصالحة الوطنية. تعالت بعد ذلك دعوات الأحزاب العلمانية المنضوية تحت جبهة الإنقاذ، التي تدعي الديمقراطية وتؤيد الدولة المدنية بتدخل الجيش من أجل إحداث انقلاب عسكري وإسقاط النظام المدني المنتخب، من أبرز هؤلاء الدكتور محمد البرادعي وسعد الدين إبراهيم اللذين تربطهما علاقة كبيرة بالإدارة الأمريكية، حيث صرح سعد الدين إبراهيم مرارا بأن أمريكا تراهن على انقلاب عسكري. وما يؤكد رعاية أمريكا للانقلاب الأخبار الموثقة التي تحدثت عن الزيارة التي قامت بها قبل ساعات من حدوث الانقلاب السفيرة الأمريكية بالقاهرة "آن باترسون" للرئيس المخطوف محمد مرسي بصحبة أحد جنرالات الانقلاب ووزير دولة خليجية لعله الإماراتي، وطلبت منه أن يكون رئيسا رمزيا فقط، وينقل سلطاته لرئيس وزراء جديد يعينه الجيش ويوافق على حل البرلمان وإلغاء الدستور، فلما رفض أنذرته بأنه سيخلع بالقوة وطلبت منه أن يقبل معونتها له عند اعتقاله، فرفض متوكلا على الله تعالى. هذه الزيارة هي الدليل الحاسم على أن الانقلاب هو قرار أمريكي بامتياز، وما يزيد في تأكيده رفض أوباما وحكومته وصف ما جرى في مصر بأنه انقلاب. نماذج من انقلابات مماثلة صنعتها أمريكا في العالم هكذا هي عادة أمريكا، تستعمل الجنرالات حين يضيق أمرها ويضعف مكرها، وهو نفس السلوك الذي سلكته في أمريكا اللاتينية كثيرا، وبطريقة مفضوحة ومخزية لها، واستعملته في أفريقيا وآسيا وبعض البلاد العربية سابقا، وفي تركيا كانت تحرك الجنرالات للانقلاب مرارا قبل أن ينهي أردوغان نفوذهم بعد تمهيدات من أربكان ثم تورغوت أوزال. والنموذج الأمريكي في الانقلاب معروف، فإنها تجمع غوغاء الناس والسفلة وعصابات الإجرام ومافيا المخدرات، وتغدق عليهم الأموال وتأمرهم أن ينزلوا إلى الشارع في صورة معارضة سياسية، ثم يأتي انقلاب الجيش وكأنه استجابة لرغبة شعبية، وللتمويه الإعلامي دور أساسي في ذلك. ثم تنهال الهبات المالية الدولية وقروض صندوق النقد الدولي لتمكين الانقلابيين من إرضاء الشعب ببعض الترف الوقتي السريع الزوال من خلال صرف نصف المليارات، ثم ذهاب النصف الآخر للحسابات الشخصية للجنرالات والساسة الذين يوفرون الغطاء خدمة لانقلاب الجنرالات. وهذا ما حدث مع الرئيس الايراني "مُصَدَّق" قبل حوالي ستين سنة حين أراد تطوير إيران، وبدأ بتأميم النفط ونوى التنمية وتمكين المخلصين واستبعاد الخونة من الساسة القدماء عبيد الشاه، فعملت أمريكا انقلابا ضده وأقصته باستخدام الغوغاء من فقراء الفلاحين وكان رجال المخابرات الأمريكية والسفير الأمريكي يتحركون جهارا نهارا. وروت "بي نظير بوتو" قبل مقتلها في مذكراتها، أنها كانت تعيش في أمريكا، فزارها ممثل عن وزير الخارجية الأمريكية وبصحبته ضابط من المخابرات الأمريكية وطلبا منها أن تستعد لتكون رئيسة جمهورية الباكستان، فضحكت وقالت بسذاجتها: "كيف وأنا لا أملك حزبا ولا أنصارا؟" فقالا لها: "نحن نطلب موافقتك فقط وعلينا الباقي من تجميع الحشود، وحين مغادرتك المطار في بلادك سيكون مليون باكستاني يهتفون باسمك، فاخطبي فيهم ونحن نحركهم ونجعلك رئيسة"، تقول: "حين خرجت من المطار فوجئت فعلا بمليون يهتفون باسمي وعرفت لأول مرة أسرار السياسة ووجها من الحياة". وكذلك كان انقلاب السيسي في مصر، بلطجية من أعوان مبارك، فلول النظام السابق وفقراء من سكان المقابر، وملاحدة من بقايا الشيوعيين، وحاقدين من الأقباط، ونوع من السلفية أتباع المخابرات السعودية، فجمعت المخابرات الأمريكية كل هؤلاء وصرفت عليهم من أموال آل نهيان وآل سعود وآل الصباح ما قد يصل إلى ملياري دولار، ومليارات أخرى إلى الجنرالات وجنود الجيش والشرطة، وحصل الحشد في ساحة التحرير، وزعم الجيش أنه يستجيب لرغبة الشعب. وفي الحقيقة هم النكرات والخونة، وفر الجيش المصري من واجب محاربة إسرائيل وحماية الحدود المصرية وأمنها القومي إلى قتل شعبه المعزول العاري الصدر المسالم، ونصبوا الطرطور الذي تبين أنه من أم أمريكية فتنصيبه مخالف للدستور لأن أمه غير مصرية ولأنه لم يؤد اليمين الدستورية كرئيس للمحكمة العليا أمام رئيس الجمهورية، فلذلك يعتبر تنصيبه باطلا، وكل ما بني على باطل فهو باطل، إلى حين عودة الشرعية الدستورية المنبثقة عن إرادة الشعب المصري مصدر السلطات. _____________________________ باحث جزائري، مدير مركز أمل الأمة للبحوث والدراسات