انطلق الزلزال الثوري مجددا، وبدأت الموجة الثانية لثورة 25 يناير؛ بعد أن أدرك المصريون أنهم خُدعوا، وأن ما سُمّيت خارطة الطريق ما هي إلا "مخرطة" تلتهم وتفرم الأبرياء بالآلاف، لكي يتخلى الشعب الثائر عن ثورته، ويعود إليه الخوف والجبن الذي حررتنا الثورة منه. لم نجد وصفا لما حدث من مجازر وحشية؛ إذ تفوقت على مجازر اليهود ضد الفلسطينيين، والصرب ضد المسلمين، والروس ضد الشيشان (مع ملاحظة أنها ليست ضد شعوبهم)!. كما تفوقت على مجازر القذافي وصالح والأسد (الأب والابن)، فلم يستطع أي طاغية منهم أن يقتل ويحرق الآلاف في نصف يوم!. وعلى الرغم من ذلك فقد تمسك الشعب البطل بالثورة، ولم يتردد الثوار؛ شبابا وشيوخا ونساء وأطفالا، لم يترددوا في مواجهة الأسلحة الفتاكة ودفع مهر الحرية.. فأقبلوا على الموت الذي يأتيهم من الطائرات والدبابات والمدافع.. يا له من شعب عظيم. لقد استطاع الشعب الذكي، الذي خرج بالملايين في جمعة الغضب الثانية، أن يبدد ادعاءات الإعلام الكذوب بأن الرافضين للانقلاب مجرد قلة إخوانية معزولة عن الشعب!. إن شعبا يستعذب الشهادة ولا يخشى الموت ولا يقبل الضيم.. لجدير بالنصر والفوز بالحرية وبناء وطن عظيم. وليس هناك شك أن هذا الابتلاء يصُب في مصلحة الثورة (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْض).. كما أن من سنن الله تبارك وتعالى أن يُمَحّص المؤمنين ليؤهلهم لحمل الأمانة (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ). والمؤمن يتقبل الابتلاء بصدر رحب، ويصبر رغم المجازر التي يشيب لهولها الولدان، وينتظر وعد الله تعالى بالنصر. لقد كشف الانقلاب والموجة الثانية للثورة أمورا عديدة كان لابد أن يستوعبها الشعب لكي ينجح في إكمال ثورته: - لكل ثورة ثورة مضادة.. والنصر يكون في النهاية لمن يصبر ويتحمل الخسائر ويبتكر أساليب جديدة للثورة. - عادت مع الانقلاب أساليب المخلوع ونظامه في التلفيق وخداع الشعب، ولم يدرك الانقلابيون أن الدنيا تغيرت وأن هناك ثورة في الاتصالات والمعلومات، وأن الشعب الذكي بدأ يفهم ويدرك ما وراء كل خبر.. فانطلقت التحليلات والملاحظات لتكشف الحقائق وتفضح الكاذبين والمضللين على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. - ومن هذه الأساليب الخائبة العودة إلى حرق كنائس لإيهام الغرب بأن هذه الثورة (إرهاب)، ودفع المسيحيين للانحياز إلى الانقلاب ودعمه، وإيجاد ذريعة لقتل الثوار.. ولكن خاب سعيهم عندما لاحظ الأذكياء أن كل الكنائس التي تم حرقها قديمة ومهجورة وتم حرقها بهدوء دون اقتحام، ولم تظهر أية مقاومة، وكلها بعيدة عن أماكن التظاهر، ولم يتدخل الأمن رغم الحراسة الدائمة على الكنائس. وعلى الفور أمر قائد الانقلاب القوات المسلحة بإعادة إنشائها على أحدث طراز، أما المساجد فقد تعرضت للاقتحام وإطلاق النار والحرق علنا وعلى الهواء مباشرة!.. من الذي حرق الكنائس؟، وبالاتفاق مع من؟، (الحدق يفهم)!!. - حكومة الانقلاب لا تخجل.. فقد صرح مسئول بوزارة الصحة أن مجلس الوزراء طلب منهم عدم الإعلان عن وفيات الشهداء، كما لم تخجل من منع إصدار شهادات وفاة للشهداء إلا بالافتراء عليهم واتهامهم بالانتحار!. - تخبط الانقلابيين كشف تآمرهم على الثوار.. إذ أعلن إعلامهم الخائب أن (الإرهابيين!) هاجموا قسم الأزبكية قبل مهاجمته فعليا بساعة ونصف. وقد كذَب المتحدث الرسمي ونسب حرق (المقاولون العرب) للثوار مع أنهم أقالوا رئيس الشركة بعد شهادته بإحراق طائرات الجيش للمقر، الذي أحرقت طوابقه العليا البعيدة عن المتظاهرين. - وقف ومصادرة والتشويش على وسائل الإعلام المعارضة للانقلاب جاء في صالح الثورة لأن (الممنوع مرغوب).. إذ تخلص المصريون من احتكار الإعلام الكذوب لهم، وبدءوا يشاهدون القنوات القليلة التي تعرض الحقيقة ويقارنون بإعلام صفوت الشريف وساويرس الذي أثبت لهم عمليا أنه كذاب ومنافق ويعرض عكس الحقيقة، وكأنهم يعيشون في دولة أخرى، فالحمد لله على غبائهم!. - أظهرت الأحداث الأخيرة مدى حقارة ودناءة وغباء الكثيرين ممن يصفهم الإعلام الكذوب بالنخبة.. إذ لم يخجلوا من مباركة القتل وحرق الموتى، بل والتحريض على ذلك، بلا أخلاق أو إنسانية، ويلف كل واحد منهم ويدور وينافق عندما يذكره المحاور بكلامه (زمان) عن اللبرالية والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان!. ونذكر عندما (أخرج) الأمن مسرحية سحل حمادة صابر.. وثار المنافقون ثورة عارمة على الرئيس والحكومة قائلين إن إهانة مواطن واحد بعد ثورة 25 يناير إهانة لكل المصريين، والحقيقة أننا فرحنا وقتها (رغم التلفيق) ظنا أن الإنسان المصري أصبح له كرامة بعد الثورة، ولكن هؤلاء أنفسهم يحتفلون الآن بالمجازر، ومنهم من يشارك!!. - يصر حكام العرب دوما على اتخاذ الموقف الخاطئ والوقوف جنبا إلى جنب في صف الطغاة خضوعا لأعداء الإسلام. إنه لأمر مخجل أن يدين العالم كله الانقلاب ويدعمه العرب فقط انتقاما من الثورة وتآمرا على الربيع العربي؛ وكما ضيعوا فلسطين والعراق وغيرهما، ها هم يتآمرون لتضييع مصر وإبقائها رهن التخلف. - من المؤسف، والغباء أيضا، أن يتحدث القتلة عن المقتولين ب (الأعداء) ويهتف الجنود بفرح وفخر رافعين الأيدي بعلامة النصر.. على الرغم من أن المقتولين والمحروقين مصريين مثلهم!!. - مصر بعد الانقلاب صارت (ملطشة) أمام العالم والمنظمات الدولية بسبب الإخراج الرديء للانقلاب وانعدام الخبرة السياسية والإرهاب الأمني.. لم نعد نجد فرقا كبيرا بين مصر والصومال مثلا!. - أين المنظمات الحقوقية من المجازر اليومية؟.. وأين الهلال الأحمر المصري؟!. - المجرم الأول في كل ما حدث هو الإعلام الكذوب الذي قسّم مصر وجعل أهلها شيعا ومهد للانقلاب، وهذا يحتاج إلى مقال مستقل.