رغم الإعلان المتواصل من جانب إعلام العسكر ونظام الانقلاب حول المليارات المخصصة لتنمية شبه جزيرة سيناء، إلا أن ما يشاهده المصريون ليس سوى القتل والتهجير والخراب ونقص الطعام عن أهالي شمال سيناء. ويبدو أن الجنرال عبد الفتاح السيسي يرغب في البقاء على مشاهد النزيف؛ استجلابًا للدعم الدولي والعربي الذي يضخم أرصدة كبار الجنرالات في بنوك الغرب، وبالتالي فإن المخططات تستهدف استمرار الأزمة بلا أفق ولا حل، فإن ثمة مافيا وعصابات تستفيد من هذه الأوضاع المتدهورة. وكان آخر قرض معلن عنه بدعوى تنمية سيناء هو 5 مليارات دولار يجري التفاوض للحصول عليها من البنك الدولي والصناديق العربية، وفق جريدة المال. فأين إذا هذه المليارات التي يعلن عنها باستمرار لتنمية سيناء؟ وأين المخصصات الضخمة التي أعلن عنها مرارا وتكرارا، بينما لا نشاهد سوى القتل والتهجير واقتلاع الأشجار والإنسان من أرضه وأهله؟ أم يراد تفريغ سيناء من أهلها حتى تمنح لكبار المستثمرين العرب والصهاينة في مشروع إقليمي ضخم له أبعاده السياسية والاقتصادية وفق صفقة القرن الأمريكية؟ فشل متواصل ورغم مرور أكثر من مائة يوم على انطلاق "العملية الشاملة" منذ يوم 9 فبراير الماضي بسيناء، وسط حالة من الصخب والضجيج الإعلامي؛ إلا أن الفشل يلاحقها والعثرات تحاصرها، ولم يستطع الجنرال فرض الأمن بأرض الفيروز رغم الوعود المتكررة والحملات المتتابعة، ولعل الدليل الأبرز على ذلك الهجوم المسلح الذي شنته عناصر تنظيم داعش فجر الخميس الماضي. واستهدف مسلحون قافلة للشرطة خلال السحور، فجر الخميس، وكمينًا للجيش جنوب مدينة الشيخ زويد، ما أسفر عن مقتل رائد في الجيش وجندي، ونقيب شرطة، فيما أصيب اللواء ناصر حسين قائد قطاع الأمن المركزي بشمال سيناء، بنزيف في المخ، إثر تفجير عبوة ناسفة في مدرعة أمن مركزي. وبذلك الهجوم يرتفع عدد قتلى الجيش إلى 46. من جانبه نقل موقع «مدى مصر» عن "مصدر أمني"، أن الحصيلة النهائية لضحايا هجوم وسط سيناء الأخير كان 20 قتيلا، ورصدت مواقع اخبارية 18 جنازة لضباط ومجندي الشرطة والجيش من ضحايا الهجوم، ما يؤكد ارتفاع قتلى الجيش والشرطة إلى 46 خلال ثلاثة أشهر وإصابة 34 ضابطا وجنديا. وتأتي هذه الإخفاقات رغم الإعلان عن استيراد مدرعات من كل الأنواع من فرنسا وروسيا وأمريكا وغيرها، ومع كل هذه القدرات العسكرية؛ لا يزال المسلحون في سيناء يفجرون هذه المدرعات وحتى عربات التشويش على المتفجرات، ما يثير تساؤلات حول صفقات الجيش العسكرية وفساد صفقات السلاح. وأمام محاولات الجنرال فرض سلطانه واستبداده بالقوة الغاشمة، يتساقط مئات الشباب المجندين والضباط الصغار يوميا في سيناء؛ بسبب الفشل العسكري والأمني. حملات متكررة والحصيلة صفر! وبحسب 22 بيانًا صدرت من المتحدث العسكري حتى الآن، تم الإعلان عن مقتل 249 عنصرا تم وصفهم بالإرهابيين، والقبض على قرابة 4 آلاف "مشتبه في دعمهم لمن وصفتهم بيانات الجيش بالعناصر التكفيرية، وعناصر إجرامية، ومطلوبين جنائيا". وفي الشهر الأول من العملية الشاملة التي بدأت 9 فبراير 2018، أعلن المتحدث العسكري عن مقتل 16 وإصابة 19 من أفراد القوات المسلحة، أثناء تنفيذ مهام العملية الشاملة، ثم ارتفع العدد إلى 25 حتى أوائل أبريل. وفي 14 أبريل الماضي نفذ مسلحون هجوما عنيفا تضمن تفجير عبوات ناسفة وتفجير 4 مسلحين أنفسهم في معسكر "القسمية" وسط سيناء، ما نتج عنه مقتل 8 من الضباط والجنود ليصبح عدد الضحايا 23 (12 ضابطا و11 جنديا)، بحسب بيان مبكر للمتحدث العسكري. وتعد الحملة الشاملة هي ثاني عملية يقوم بها جنرالات السيسي منذ عملية 2014، ورغم ذلك يتساقط عشرات الضباط الصغار والمجندين؛ بينما يعلن المتحدث العسكري عن بيانات كاذبة تدعي مقتل 500 مواطن وصفهم بالإرهابيين واعتقال أكثر من 500 في العملية الأولى، ومع هذا يستمر الإرهاب، ما يدلل على كذب البيانات. حملة بلا أخلاق ورغم رفضنا لنهج المسلحين في سيناء، وخصوصا تنظيم داعش الذي تحوم حول نشأته كثير من الشكوك التي تتعلق بإسرائيل ومخابرات غربية، إلا أن الحملة التي يشنها جنرالات العسكر تفتقد إلى أدنى معايير الأخلاق والإنسانية، خصوصا بعد التسريبات المتتابعة لاستهداف قوات السيسي لأطفال وصبية وعزل من السلاح من أهالي سيناء. ولعل الفيديوهات التي تنشر من حين لآخر عن قتل الجيش لأبرياء، وآخرها فيديو قتل صبي صغير، تزيد من ضعف تأييد أهالي سيناء للجيش والشرطة، وعدم وجود ظهير شعبي، بل وانضمام بعض الأهالي إلى المسلحين بسبب العنف والقمع والهدم والتهجير القسري. وكان آخر هذه الإجراءات القمعية من جانب الجنرال، منع الجنرالات من إقامة صلاة العشاء والتراويح والفجر في معظم مساجد الشيخ زويد، مع التنبيه على المواطنين بالالتزام بالمنازل عقب صلاة المغرب عبر مكبرات الصوت في المساجد.