اصطلحت الانقلابات العسكرية على تعريف "المجند" بأنه القربان الذى تقدمه دائما لتوطيد أركانها وبسط نفوذها على البلاد والعباد عبر وظائف ثلاث، أولها استخدامه كعصا غليظة لضرب المعارضة وانتهاك الحرمات وملاحقة الثوار والمناهضين لحكم الجنرالات، وثانيها الدفع فيه فى مواجهات عنيفة كدروع بشرية لحماية الضباط، والثالثة استحلال دماءهم فى تفجيرات مصطنعة وعمليات إرهابية مزعومة لتبرير العنف وتمرير ممارسات الانقلاب الدموية وخلق فزاعة لدى بسطاء الشعب لحشد تأييد شعبي هش. ومنذ الانقلاب العسكري على مصر لا يكد الوطن ينهي حالة حداد على مقتل الجنود البسطاء فى عمليات متكررة –تعكس فشل المنظومة الأمنية- حتى يدخل فى حداد جديد، فى حصاد مخيف لعدد الضحايا فى صفوف المجندين، لتكشف عن واقع مرير وصفه المحللون بأنه من صنيعة أجهزة العسكر الأمنية والمخابراتية من أجل ترسيخ "الحرب على الإرهاب" ومن ثم التشبث أكثر بحكم الحاكم العسكري خشية تفاقم الأوضاع. وفى ظل مشهد الحداد الذى يعم مصر لدماء المجندين فى سيناء والوادى وغيرهما، أطل وزير داخلية الانقلاب اللواء محمد إبراهيم، صباح اليوم الخميس، بطلته القبيحة، ليحتفل بيوم المجند، الذى أقامته الإدارة العامة لتدريب قوات الأمن بمعسكر الإدارة العامة لتدريب قوات الأمن على طريق السويس. وشهد الحفل الهزلى –الذى بدأ بعرض عسكرى عام وبيانات تدريبية على المهام الأمنية المختلفة لقوات قمع المظاهرات وملاحقة الحرائر واعتقال الثوار- تكريم المجندين المتميزين فى كافة المهام الموكلة إليهم، فى مجال الأنشطة المختلفة بإدارات قوات الأمن. ويأتى الاحتفال –المصبوغ بالدماء- بعد أيام معدودات من مقتل 30 مجندا وإصابة 80 آخرين، جراء سلسلة هجمات شنها مسلحون على الكتيبة 101 ونقاط عسكرية وأمنية في مدينة العريش شمالي سيناء، وهى المنطقة المحصنة لمليشيا الانقلاب التى نجحت العناصر المسلحة فى اختراقها. وعلى ضخامة الرقم الذى يحمل مقتل وإصابة قرابة 110 مجندين وتكرار عمليات القتل بأعداد متفاوتة باستهداف متنامي للكمائن العسكرية والشرطية، إلا أن الدهشة تزول إذا كشفت الحوداث عن رقم مشابه فى عملية كرم القواديس فى سيناء أواخر العام المنصرم، والتى راح ضحيتها 32 مجندا وعشرات المصابين فى هجوم مزدوج على كمين حصين لمليشيات العسكر، كشف عن حالة مزرية للمجندين فى بؤرة الأحداث فى أرض الفيروز. ومع عجز النظام الانقلابي عن حماية مجنديه، لم تتوقف عمليات استهداف المجندين عند محيط سيناء التى تشهد توترات عجز العسكر عن مواجهتها رغم إعلان الطوارئ وفرض حظر التجوال وتهجير الأهالى قسريا وإقامة منطقة عازلة وممارسة القتل على نطاق واسع بحق الأهالى، ولكن انتقلت العدوة إلى أقصى الجنوب حيث الوادي الجديد فى هجوم استهدف كمين الفرافرة، أغسطس 2014، أسفر عن مقتل 20 مجندا.
مئات القتلي والمصابين فى صفوف المجندين بعد عامين فقط من الانقلاب العسكرى الفاشى على الثورة ومكتسباتها، تضاف إلى آلاف الشهداء فى صفوف الثوار وأحرار الوطن على يد مليشيات العسكر، تكشف أن الدماء هى الأرخص فى عقيدة العسكر، وأن السلطة والمصالح مقدمة على حفظ الأرواح، ويصبح معها الاحتفال بيوم المجندين كوميديا سوداء ورقص على جثث "القاربين" .. وكمن "يقتل القتيل ويمشي فى جنازته".