يومًا بعد يوم.. يكشف الانقلاب العسكرى فى مصر عن وجهه القمعى، وبمضى أسبوع واحد فقط بات واضحًا أن خريطة الطريق التى أعلنها قائد الانقلاب، وحفلت بعبارات برَّاقة عن صون الحريات، وتحقيق الأمن، وعدم إقصاء أى فصيل.. تبين أنها كلام فى الهواء؛ يكذبه ما جرى منذ الانتهاء من قراءة بيان الانقلاب مباشرة بحظر ست عشرة قناة فضائية، تبعه اعتقال قادة العمل الإسلامى والوطنى. ثم سقطت ورقة التوت عن سلمية هذا الانقلاب التى روَّج لها الإعلام الرسمى والإعلام الخاص بمجزرة غير مسبوقة عند دار الحرس الجمهورى للمصلين الساجدين وهم فى الركعة الثانية من صلاة الفجر، وسقط فيها أكثر من سبعين شهيدًا، بينهم ثمانى نساء وسبعة أطفال لاقوا ربهم وهم فى أحضان أمهاتهم الساجدات.. وهى مجزرة غير مسبوقة فى التاريخ الإنسانى سوى فى المجازر التى ارتكبها الصهاينة ضد أهلنا فى فلسطين، وأبرزها «مجزرة الحرم الإبراهيمى» ضد المصلين الساجدين فجر جمعة 15 رمضان 1414ه الموافق 25 فبراير 1994م، وسقط فيها 29 شهيدًا و150 مصابًا. ومجزرة الحرس الجمهورى غير مسبوقة فى تاريخ الجيش المصرى على الإطلاق؛ إذ لم يحدث أن أطلق الجيش المصرى رصاصاته على سويداء قلب الشعب المصرى كما حدث، وسيذكر التاريخ بكلمات مكللة بالسواد والعار فجر الاثنين 29 شعبان 1434ه الموافق 8/7/2013م حين ارتكب فصيل من الجيش المصرى مجزرة مروّعة للساجدين فى صلاة الفجر عند دار الحرس الجمهورى بالقاهرة، وسيذكر التاريخ أن ذلك حدث تحت مسئولية قائد الجيش وقائد الانقلاب العسكرى الفريق «عبدالفتاح السيسى». ولقد قوبلت تلك المجزرة الدموية من قبل القوى العلمانية والليبرالية والناصرية المعارضة للرئيس «مرسى» بصمت القبور، أو بتصريحات مائعة من البعض، بينما ركبت الغالبية العظمى الإعلام المصرى الرسمى والخاص مبررة تلك المجزرة، وملقية بتبعيتها على المتظاهرين، منتهزة الفرصة لإشعال مزيد من حملة التحريض الشرسة والانتقامية ضد التيار الإسلامى، ونسى هؤلاء أن كوادرهم ومتظاهريهم خلال حكم الرئيس «مرسى» أشعلوا الحرائق فى القصر الجمهورى، وحرقوا المؤسسات، وعطلوا المواصلات، وكانوا -يومها- يعتبرونها حقًا مشروعًا لهم، بل كانوا يحرضون عليها.. لقد سقطت ورقة التوت عن الجميع، وفضحت عقيدتهم الدموية الدكتاتورية، وكفرهم بالديمقراطية التى ظلوا يتشدقون بها زمنًا طويلا! إن القتل لا يخيف الأحرار الذين يدافعون سلميًا عن حقوقهم، وإن المجازر لا تزيد الشعوب الحرة المنتفضة دفاعًا عن حقها الانتخابى والدستورى إلا إصرارًا وقوة وتضحية، وإن الدماء التى تسيل وتروى أشجار الحرية ستكون لعنة على الجبابرة الطغاة الذين يظنون أن سلاحهم الحربى سيحميهم من غضبة شعوبهم وسيعفيهم من سخط الله الجبار. إن الذى نحذر منه -مثلما يحذر منه الكثيرون- هو أن يدفع الانقلابيون مصرَ وشعبَها إلى نفق سوريا المظلم الذى يتابعه العالم، وهو النفق الذى دمَّر الدولة السورية بمقدراتها، ووضع شعبها تحت مقصلة الإبادة الجماعية، ولئن دخلت مصر فى هذا النفق -لا قدر الله- فسوف يقضى على أكبر دولة عربية فى المنطقة، وعلى جيشها.. الجيش القوى الوحيد فى المنطقة بعد تدمير الجيش العراقى والسورى والليبى، ومن ثم تصبح المنطقة بلا درع قوية تحميها، وتصبح كلأً مباحًا للاختراقات والتدخلات والإملاءات الغربية والصهيونية، وذلك عين ما يسعى لتحقيقه المشروع الغربى الصهيونى، ولن يحدث إن شاء الله تعالى. إن تلك الأحداث المؤسفة تجرى فى مصر مع دخول شهر رمضان الكريم.. شهر القرآن والصيام والقيام والذكر والدعاء.. وإن المتظاهرين السلميين الذين عاهدوا الله على ألا يتركوا الميادين حتى يستردوا حقوقهم المختطفة لا يملكون إلا سلاح الدعاء والتبتل، مستعينين على أهل البغى بسهام القدر ودعاء السحرو وإنها لأشد مضاء فى رمضان.