مهمة أى نظام حاكم فى الأساس هى المحافظة على دماء شعبه ومصالحه، والدفاع عن حدود بلاده ومواجهة أعدائه، والعمل على حفظ وتنمية ثرواته، وتحقيق العدل والأمن لسائر المواطنين والمقيمين، ومن هنا تنشأ الجيوش، وتنشأ الأجهزة الأمنية، وتنفق الأموال فى سبيل الحصول على السلاح، لا لتكون ملكا خاصا للنظام، ولا لتكون أداة بيده للتنكيل بشعبه وتدمير بنيته المادية والمعنوية، وكل نظام لا يقوم بهذه المهمة يفقد مبرر بقائه أو احترامه. لهذا فإن النظام الأسدى الذى احتفظ بحالة الهدوء الكامل على حدوده مع الكيان الصهيونى على مدى عقود كثيرة، وفى الوقت ذاته قام بحربه الشرسة على شعبه حين انبعث يطالب بحقوقه؛ هذا النظام قد سقط تماما واستنفد كل مبررات وجوده القانونية والأخلاقية، فلا يمر يوم إلا وتضاف دماء وأشلاء جديدة من شعبه، دون أن تتحرك فى قلب الطاغية وأعوانه ذرة رحمة أو شفقة، وكعادته دائما كلما امتدت يد العدوان الصهيونى إلى بلاده أعلن أنه يحتفظ بحق الرد فى الوقت المناسب، وهو الوقت الذى لن يأتى أبدا؛ إذ تكشف الأحداث أن الطاغية ونظامه ليس إلا وكيلا عن هذا الكيان الصهيونى، مهمته تبديد ثروة البلاد فى جمع السلاح واستئجار الشبيحة لقتل شعبه، ومن ثم لم يعد أمام هذا النظام أى خيار غير الرحيل الفورى غير مأسوف عليه، بل ينبغى أن يحاكم على كل جرائم الإبادة التى ارتكبها والتى لا يزال يرتكبها بحق شعبه سليل الأخيار وحفيد الصحابة والتابعين، الذى دعا له النبى صلى الله عليه وسلم بالبركة حين كرر هذا الدعاء الكريم «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى شَامِنَا، وَفِى يَمَنِنَا»، والذى هو خيرة الله من عباده ويسكن خيرة الله من أرضه، كما اختار النبى صلى الله عليه وسلم لصاحبه عبد الله بن حوالة سكناه حين قال له: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِى إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا أن أَبَيْتُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِى بِالشَّامِ وَأهلهِ». والغريب أن هذا النظام المجرم ومن يعينونه على إجرامه يصرون على السير فى عكس حركة التاريخ، ولا يدركون أن دماء الشهداء العزيزة لا تخيف الشعوب التواقة للحرية، ولا توقف زحفهم نحو تحرير الإرادة، بل تصبح هى النور الذى يضىء لها المستقبل، وهى النار التى تحرق كل الوالغين فيها والمؤيدين لسفكها، وقد كان أصحابها يتمنون أن تراق فى معركة الكرامة ثمنا لتحرير الجولان والأرض السورية المغتصبة، بل المهداة من النظام الأسدى الفاشل للكيان الصهيونى. على أن هذا الإجرام الأسدى ليس هو الجريمة الوحيدة التى أسقطت هذا النظام قانونيا وأخلاقيا، بل يضاف إلى ذلك جريمة لا تقل خطورة، وهى السعى إلى تقسيم السوريين تقسيما طائفيا عنصريا يهدر التاريخ الطويل لوحدة هذا الشعب العريق، الذى ظل بوحدته نموذجا متميزا وردءا مهما لقضايا أمته العربية والإسلامية، حتى سقط فى براثن هذا النظام العنصرى، مما يوجب على السوريين التوحد جميعا والوقوف بمنتهى القوة فى وجه هذه المحاولة الأسدية لتفتيت سوريا، أو تقسيمها، وعلى حكومات وشعوب الأمة العربية والإسلامية أن يدعموا وحدة الأرض السورية ووحدة الشعب السورى، وأن يقفوا بكل حزم فى وجه أى محاولة من هذا القبيل لن يستفيد منها إلا المتربصون بهذه الأمة. وقد أوغل النظام الأسدى المجرم فى جرائمه باستعانته بأطراف خارجية على قتل شعبه، ومحاولته تأجيج الصراع المذهبى فى المنطقة، وهنا يجب على الحكومات والشعوب العربية وعلى جامعة الدول العربية أن يتصدوا للمحاولة الأثيمة التى يريد النظام الأسدى أن يجر إليها المنطقة من خلال إشعال حرب مذهبية لا تزيد الأزمة إلا تعقيدا وتدهورا، وعلى كل القوى التى أقحمت نفسها فى المشهد السورى دعما للنظام الساقط أن تبادر بالخروج الفورى من سوريا، والتجاوب مع تطلعات الشعب السورى الذى سيفرض إرادته الحرة فى نهاية المطاف. أمام كل هذه التحديات والجرائم الأسدية فإننا ندعو منظمة التعاون الإسلامى وجامعة الدول العربية وكافة حكومات الدول العربية والإسلامية أن تقوم بدورها فى حماية الشعب السورى الذى يخوض حربا غير متكافئة مع نظام يعيش خارج العصر ولا يتقن غير سفك الدماء، تسانده قوى إقليمية ودولية غير عابئة بحجم الدماء والدمار الهائل الذى يتعرض له من جهة أخرى. وعليها احتمال نصيبها من حماية وحدة الشعب السورى وتحقيق أمانيه فى الحرية والكرامة، وممارسة كافة الضغوط لمنع التدخل الخارجى، وإنهاء التدخل الحاصل فى الشأن السورى، وتقديم الدعم الرَّسمى والشَّعبى للمبادرة الرباعية التى أعلنها الرئيس الدكتور محمد مرسى لحل الأزمة السورية. كما ندعو الشعوب العربية والإسلامية وفى القلب منها الشعب المصرى إلى الاستمرار فى دعم الأشقاء السوريين فى داخل سوريا وخارجها بكل صور الدعم الممكنة، وتيسير أمور اللاجئين منهم والقيام بشئونهم، حتى يتحقق لهم النصر ويعودوا إلى ديارهم إن شاء الله، فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره. أما شعب سوريا الحر المجاهد الذى قدم الكثير من أجل نيل مطالبه المشروعة فى الحياة الحرة الكريمة، فإننا ندعوه إلى الصبر والثقة بنصر الله واليقين بأن مع العسر يسرين، ونؤكد أن الطريق إلى استنزال نصر الله هو لمّ الشمل وتوحيد الصف ونبذ الخلافات والنزاعات، وتجاوز الصراعات، والعمل المشترك لتحقيق هدف التحرير، فهم أقدر الناس بإذن الله على حسم المعركة، بإيمانهم بالله واستمدادهم العون منه سبحانه، وبوحدتهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم، التى تساندهم فيها كل الشعوب الحرة، وسوف ينتصرون بإذن الله على جلاديهم، مهما عظمت التحديات والتضحيات. وفى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ (أى من شدة وتعب) حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ». فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا. فى استقبال شعبان إخوانى، ها هو شهر شعبان قد طرق أبوابنا، مذكرا بقرب دخول الشهر العظيم شهر رمضان، وقد دعانا النبى صلى الله عليه وسلم إلى اليقظة فى شعبان وعدم الغفلة عنه، فقد أخرج النسائى وأحمد عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إلى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أن يُرْفَعَ عَمَلِى وَأَنَا صَائِمٌ». ومن كثرة اهتمام أهل الخير بقراءة القرآن فى شعبان كان يقال: شهر شعبان شهر القُرَّاء، وكان عمرو بن قيس الملائى إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن. فيا من فرط فى الأوقات الشريفة وضيعها، وأودعها الأعمال السيئة وبئس ما استودعها: مضى رجب وما أحسنت فيه وهذا شهر شعبان المبارك فيا من ضيّع الأوقات جهلا بحرمتها أَفِقْ واحذر بوارك فسوف تفارق اللذات قسرا ويُخْلى الموت كرها منك دارك تدارك ما استطعت من الخطايا بتوبة مخلص واجعل مدارك على طلب السلامة من جحيم فخير ذوى الجرائم من تدارك فهيا نقبل على الشهر الكريم بالقرآن والذكر والدعاء، وليكن لمصر وأهلها ورئيسها وقادتها حظ كبير من دعائنا، عسى الله أن يجمع كلمة أهلها على الهدى وعزائمهم على عمل الخير وخير العمل، وليكن لسوريا وأهلها حظ كذلك من دعائنا، عسى الله أن يأتى بالفتح للمجاهدين عن قريب، ولا ننسى الأقصى وفلسطين وأسرانا فى سجون الاحتلال من الدعاء الخالص أن تتحقق أمانينا وأمانيهم بالتحرير الكامل للأقصى والأسرى وفلسطين إن شاء الله، ثم لا ننسى إخواننا المسلمين فى ميانمار وفى كل مكان أن يجعل الله لهم فرجا ومخرجا مما هم فيه. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.