تكمن نظرة الإسلاميين عموما -والإخوان خصوصا- فى نظرتهم إلى العدل على أنه أحد أعمدة قيام الدين، ومن غير المعقول أن يقام الدين بلا عدل، ولا أن يكون هناك عدل دون قضاء مستقل وحر ونزيه، مستقل عن أى سلطة حتى رأس الدولة، والتاريخ الإسلامى يعج بالعديد من القصص التى كانت كلمة القضاء تمضى على الجميع كما يمضى السيف الحاد فوق الرقاب، وهذا لا يعنى أن القضاء يتغول على السلطة التنفيذية، ولكن يعنى أن السلطة التنفيذية تحتكم إليه بعد أن رضى الناس بتشريعات يطبقها أهل القضاء. وبمعنى آخر؛ فإن العدل يبدأ من السلطة التشريعية المنتخبة التى تضع القوانين، ثم تقوم السلطة القضائية بتنفيذ تلك القوانين على الجميع دون تمييز. ليس من المفترض أن تقوم السلطة القضائية بسن القوانين، ولا برفض قوانين السلطة التشريعية، كما أعلن الزند قبل يومين حين قال: لن نسمح بتمرير قانون السلطة القضائية الجديد. هذا تغول غير مقبول، وتدخل فى السلطة التشريعية بغير وجه حق. ولو كان الأمر على هذا النحو لقامت السلطة التشريعية أو التنفيذية -بما فيها رئيس الدولة- بعزل القضاة، وهذا ليس مسموحا به فى الدستور الجديد. أما كوننا نريده قضاء حرا فنعنى به ألا يكون خاضعا لسلطة، أو معرضا لابتزاز؛ لأن القاضى الحر هو وحده القادر على الحكم بعدل لا يرقى إليه أى شك، ونريد للقاضى أن يكون حرا من القيود والإغراءات المادية التى جعلت بعض شباب القضاة رجال أعمال وتجارا وسماسرة أراضٍ فى عصر المخلوع. لا نريد أن نرى قاضيا محتاجا ولا يكفيه معاشه أبدا، أتكلم كواحد من الشعب أريد أن يكون راتب القضاة مجزيا بحيث يغنيه عن سؤال اللئيم، وما أكثر اللئام فى هذا الزمان. ليس صحيحا أننا نرغب فى إفقارهم أو تجويعهم، فهذا يعنى أنهم لن يكون أحرارا أبدا، وساعتها سيمكن شراؤهم بأقل القليل، وربما يكونون معذورين حينئذ. نريده قضاء نزيها تنظر إليه العيون باحترام، وتخفق عند مجلسه القلوب انتظارا لكلمة العدل النزيهة. نريده نزيها حتى نطمئن لأحكامه، ونرتضى بقراراته، ونعرف أن ضمير القاضى قبل نصوص القوانين هو أساس الحكم. ليس بينى وبين القضاء -إن كان مستقلا ونزيها وحرا- أى خصومة أبدا، والخصومة الحالية ليست مع مؤسسة القضاء برمتها، بل مع الساكتين عن فساد بعض أعضائها، ولو كنت مكانها لقمت ببتر هذه الأعضاء؛ حتى ينعم باقى الجسد القضائى بالعافية.