استقرار سعر الدولار اليوم بعد قرار الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة    أستاذ علوم سياسية: الأسابيع المقبلة من أصعب المراحل على المنطقة    تنسيق الكليات 2024..الآن رسميًا نتيجة المرحلة الثالثة لطلبة الثانوية العامة (دور أول وثاني)    فلسطين.. جيش الاحتلال يواصل نسف المباني السكنية في حي الزيتون جنوبي مدينة غزة    قصف غزة.. الاحتلال يعتقل شابا بعد محاصرة منزله في كفر راعي جنوب جنين    شركة يابانية تتحقق من معلومات حول تفجير أجهزة اتصالات تنتجها في لبنان    مباراة الأهلي وجورماهيا في إياب دور 32 من دوري أبطال إفريقيا.. الموعد والقناة الناقلة    حبس عصابة تتزعهما سيدة بتهمة الاتجار في الأستروكس بالمعصرة    إجهاض إيمان العاصي في مسلسل برغم القانون يجذب الأنظار.. «مشهد مبدع»    استديوهات مارفل تطرح أول حلقتين من مسلسل Agatha All Along    أسعار الدجاج والأسماك اليوم 19 سبتمبر    مواعيد دخول الطلاب للمدارس في جميع المراحل التعليمية    حدث ليلا: مفاجأة في انفجارات لبنان ورسائل مجهولة ترعب الإسرائليين والسنوار يتلاعب بجنود الاحتلال.. عاجل    37.3 مليار جنيه قيمة التداول بالبورصة خلال تعاملات أمس الأربعاء    برج القوس.. حظك اليوم الخميس 19 سبتمبر 2024: لا تلتفت لحديث الآخرين    «أيام الفقر وذكرياته مع والده».. ماذا قال الشاب خالد في برنامج بيت السعد؟ (تقرير)    حكم صلاة الاستخارة للغير.. هل تجوز؟    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: القرار الأممي نقطة تحول في مسار نضالنا من أجل الحرية والعدالة    تشكيل برشلونة المتوقع أمام موناكو في دوري أبطال أوروبا.. من يعوض أولمو؟    قراصنة إيرانيون أرسلوا لحملة بايدن مواد مسروقة مرتبطة بترامب    كيفية الوضوء لمبتورى القدمين واليدين؟ أمين الفتوى يوضح    شريف دسوقي: كنت أتمنى أبقى من ضمن كاست "عمر أفندي"    حقيقة الذكاء الاصطناعي واستهلاك الطاقة    الخارجية الأمريكية ل أحمد موسى: أمريكا مستعدة لتقديم خدمات لحل أزمة سد النهضة    موعد مباراة مانشستر سيتي وأرسنال في الدوري الإنجليزي.. «السيتيزنز» يطارد رقما قياسيا    «افتراء وتدليس».. رد ناري من الأزهر للفتوى على اجتزاء كلمة الإمام الطيب باحتفالية المولد النبوي    موعد صرف معاشات شهر أكتوبر 2024    الأهلي لم يتسلم درع الدوري المصري حتى الآن.. اعرف السبب    تفاصيل مصرع مُسن في مشاجرة على قطعة أرض في كرداسة    إصابة 12 شخصا إثر تصادم 4 أتوبيسات على طريق السخنة    طفرة عمرانية غير مسبوقة واستثمارات ضخمة تشهدها مدينة العاشر من رمضان    دورتموند يكتسح كلوب بروج بثلاثية في دوري الأبطال    "ماتت قبل فرحها".. أهالي الحسينية في الشرقية يشيعون جنازة فتاة توفيت ليلة الحنة    آيتن عامر بإطلالة جريئة في أحدث ظهور..والجمهور: "ناوية على إيه" (صور)    مصدر أمني ينفي انقطاع الكهرباء عن أحد مراكز الإصلاح والتأهيل: "مزاعم إخوانية"    عبير بسيوني تكتب: وزارة الطفل ومدينة لإنقاذ المشردين    بشاير «بداية»| خبز مجانًا وقوافل طبية وتدريب مهني في مبادرة بناء الإنسان    حامد عزالدين يكتب: فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم    الشاب خالد: اشتغلت بائع عصير على الطريق أيام الفقر وتركت المدرسة (فيديو)    «استعلم مجانًا».. نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة 2024 علمي وأدبي فور إعلانها رسميًا (رابط متاح)    كشف حقيقة فيديو لفتاة تدعي القبض على شقيقها دون وجه حق في الإسكندرية    إيمان كريم تلتقي محافظ الإسكندرية وتؤكد على التعاون بما يخدم قضايا ذوي الإعاقة    تراجع بقيمة 220 جنيهًا.. سعر الحديد والأسمنت الخميس 19 سبتمبر 2024 بعد التحديث الجديد    هل موت الفجأة من علامات الساعة؟ خالد الجندى يجيب    «هي الهداية بقت حجاب بس؟».. حلا شيحة تسخر من سؤال أحد متابعيها على التواصل الاجتماعي    كيفية تحفيز طفلك وتشجيعه للتركيز على الدراسة    السفر والسياحة يساعدان في إبطاء عملية الشيخوخة    أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد وتخلصه من السموم    الخطيب يدرس مع كولر ملف تجديد عقود اللاعبين وأزمة الدوليين قبل السوبر المصري    بخطأ ساذج.. باريس سان جيرمان يفوز على جيرونا في دوري أبطال أوروبا    الفنانة فاطمة عادل: دورى فى "الارتيست" صغير والنص جميل وكله مشاعر    قمة نهائي 2023 تنتهي بالتعادل بين مانشستر سيتي وإنتر ميلان    صلاح التيجاني: والد خديجة يستغلها لتصفية حسابات بعد فشله في رد زوجته    عقب تدشينها رسميًا.. محافظ قنا ونائبه يتابعان فعاليات اليوم الأول من مبادرة «بداية جديدة»    صحة مطروح تقدم 20 ألف خدمة في أولى أيام المبادرة الرئاسية «بداية جديدة».. صور    عاجل - قرار تاريخي:الاحتياطي الفيدرالي يخفض الفائدة إلى 5.00% لأول مرة منذ سنوات    من الأشراف.. ما هو نسب صلاح الدين التيجاني؟    محافظ القليوبية يكرم المتفوقين في الشهادات العامة بشبرا الخيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أ.د. عبد الرحمن البر يكتب: العلاقة بين الدين والديمقراطية فى مصر

حضرت فى الأسبوع الماضى مؤتمرا تحت عنوان (الدين والديمقراطية فى العالم العربى وأوروبا) مع عدد من الشخصيات العربية والأوروبية، بدعوة من جمعية "سانت إيجيديو" التى أسسها الوزير أندريا ريكاردى، وكان موضوع كلمتى (العلاقة بين الدين والديمقراطية فى مصر)، وهذا نصها:
الحمد لله والصلاة والسلام على سائر رسل الله، وعلى آل محمد وصحبه ومن والاه، وبعد؛
فأقدم خالص شكرى وتقديرى لجمعية "سانت إيجيديو" وللوزير أندريا ريكاردى، وللأب فيتوريا ينارى على هذه الدعوة الكريمة للمشاركة فى هذا الملتقى الطيب، مع كل هذه الشخصيات المحترمة من أنحاء العالم، ومن كل الأطياف العربية التى شاركت بقوة فى أحداث الربيع العربى، الذى مثَّل حدثا مهما للغاية فى التاريخ الإنسانى عامة وفى التاريخ العربى الحديث بوجه خاص.
كما أن القضية التى تتم مناقشتها فى هذا الملتقى بالغة الأهمية (وهى قضية الدين والديمقراطية فى العالم العربى وأوروبا) وقد كثر الاختلاف حول علاقة الدين بالديمقراطية بشكل واضح، ولهذا كان من الضرورى أن أضع بين يدى حضرات المشاركين المحترمين موقفنا فى الحركة الإسلامية فى مصر عموما وفى حركة الإخوان المسلمين خصوصا من قضية الديمقراطية، وعلاقة الدين الإسلامى بالديمقراطية.
وفى البداية لا بد أن أجيب على سؤال تكثر الإجابات المخطئة عليه، وهو: هل الإخوان المسلمون جماعة دينية دعوية أو جماعة سياسية؟
والإجابة عندنا نحن الإخوان المسلمين كالتالى: نحن هيئة إسلامية جامعة، نؤمن بالإسلام دينا شاملا يهتم بالسياسة والاقتصاد والاجتماع والمعاملات كاهتمامه بالعبادات والأخلاق، ونؤمن أن النبى الأعظم محمدا صلى الله عليه وسلم كان زعيما سياسيا وعبقريا اقتصاديا ومفكرا نابغا، إضافة إلى كونه مربيا روحيا ومعلما فذا، وأنه جاء بدين ينظم أمور الحياة بمختلف جوانبها مثلما ينظم أمور العبادات، ويركز على الدنيا مثلما يركز على الآخرة، وشعاره فى ذلك قول الله تعالى ? قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاى وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ? [الأنعام: 162، 163].
وهذا الجمع بين الناحيتين أحد أهم مميزات الإسلام الحنيف، الذى ترك مساحة واسعة جدا من المرونة فى التفاعل مع كل المستجدات البشرية فى مجالات التطور السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وفى الوقت ذاته أعطى اهتماما كبيرا جدا للبعد الأخلاقى والقيمى فى التفاعل مع هذه الجوانب المتجددة والمتغيرة.
من هذا المنطلق كان تفاعلنا نحن الإخوان المسلمين مع الديمقراطية، على أنها منتج بشرى كافحت البشرية طويلا ضد الطغاة والمستبدين، حتى اهتدت إليه كوسيلة تكبح جماح الحكم الفردى، وتقلم أظفار التسلط السياسى، حيث أوجدت صيغا وأساليب عملية تعطى الجماهير حق اختيار حكامهم، ومحاسبتهم إذا أخطأوا، وعزلهم وتغييرهم إذا انحرفوا، وتوفر لعموم الأمة حق اختيار المناهج التى تنظم حياتهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وتسمح بتعدد الآراء وتنوع الاجتهادات، وتحقق حرية الرأى والتعبير والصحافة، وتؤكد استقلال القضاء وتعدد الأحزاب، إلى غير ذلك مما يحقق الحكم الرشيد، الذى يحقق للناس الإطعام من جوع، والأمن من خوف، والرضا من سخط، ويملأ قلوبهم دائما بالتفاؤل والأمل فى غد أفضل وفى حياة طيبة.
لقد جاءت الديمقراطية ثمرة لكفاح طويل ضد الطغيان الذى أكد القرآن أنه يقترن دائما بالفساد والإفساد، ويكون سببا فى هلاك الأمم، حيث تحدث القرآن العظيم عن ?الَّذِينَ طَغَوْا فِى الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ? [الفجر: 11 - 13]. وذمّ القرآن بشدة الأمم والشعوب التى تتبع الطغاة وتسلم لهم زمامها، وقال الله تعالى عن قوم فرعون الذين استجابوا له ?فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ? [الزخرف: 54] فوصفهم بالفسق لسكوتهم وقبولهم بطغيان فرعون، كما أن القرآن لم يكتف بتحميل الطغاة وحدهم كامل المسئولية عن الفساد والاستبداد، بل ضم إليهم فى المسئولية الجيوش والشرطة الذين يستخدمهم الطغاة لقمع الشعوب التى تبحث عن حريتها، فقال الله تعالى ?إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ? [القصص: 8].
بل عدّ الإسلام أن مواجهة الطغاة والمستبدين والظالمين أفضل ألوان الجهاد وأنه أعظم من مواجهة الأعداء والمحاربين، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ»، وعدّ النبى محمد صلى الله عليه وسلم الذى يتصدى للطاغية بكلمة الحق فيتعرض للقتل سيدَ الشهداء.
لهذا كله كان من الطبيعى أن تكون الحركة الإسلامية الواعية -وفى القلب منها الإخوان المسلمون- فى طليعة المتصدين للطغاة فى كل الأقطار، وفى مقدمة المشاركين فى محاربة الفساد والاستبداد، ودفعوا فى سبيل ذلك أثمانا غالية وتضحيات جسيمة، حيث عُلِّق قادتهم على المشانق، وصودرت أموالهم، وتعرضوا للإقصاء السياسى والحرمان الوظيفى، وتحملوا كل ذلك وأكثر منه من أجل أن تسترد الأمة حريتها، وتملك زمام أمرها.
ولأن الإخوان المسلمين –مع غيرهم من الإسلاميين- قد تعرضوا لظلم كبير فى كفاحهم الطويل ضد الاستبداد والفساد؛ فإنهم أدركوا أن الديمقراطية تعد من أمثل الضمانات لحماية الأمة والشعب من التجبر والتسلط والاستبداد، وعدّوا النظام الدستورى هو أقرب الأنظمة إلى الإسلام، حيث يجسد مبادئ الإسلام فى اختيار الحاكم ومحاسبته ونقده وتقديم النصيحة له، ومقاومة جوره، ورفض ظلمه، متى كان نظاما شوريا ديمقراطيا حقيقيا، ينزل الجميع فيه على رأى الأغلبية، ويلتزم الجميع بنتيجة التصويت فى الانتخابات الحرة النزيهة، وتصان فيه كل الحقوق لجميع الأطياف والأفراد أيّا كان موقفهم من الحاكم ونظامه.
وإيماننا نحن الإخوان المسلمين بالديمقراطية ليس شيئا نظريا أو مجرد مجاملة ومجاراة للآخرين، ولا يصح فى ديننا اعتبارها سُلما للوصول إلى الحكم ثم التخلى عنها، على النحو الذى يشيعه ظلما وزورا خصوم الإخوان بقصد التشويه والإساءة؛ لأننا نؤمن أن هذا شأن المنافقين الذين يُظهرون خلاف ما يبطنون، والنفاق من أكبر الكبائر، ولكننا نؤمن بالديمقراطية شكلا للحكم، وضمانا للحريات، وصماما للأمان من طغيان الحكام، وعقدا لا يحل نقضه أو الانقلاب عليه، ففى القرآن الكريم يقول الله تعالى ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ? [المائدة: 1].
من هذا المنطلق نمارس الديمقراطية بأزهى صورها فى داخل حركة الإخوان المسلمين، فكل المواقع فى الحركة بدءا من المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد وأعضاء مجلس الشورى العام، حتى مسئول الشعبة التى هى أصغر الوحدات الإدارية ومجلس شورى الشعبة التى هى أصغر التشكيلات الشورية، كل تلك المواقع يتم شغلها عبر الانتخاب الحر وفق لوائح منضبطة، وهو نفس ما يتم فى حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين.
وواقع الفكر والتطبيق يقطع بأن الإخوان المسلمين من أكثر الهيئات إيمانا بالديمقراطية وتحقيقا للدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التى تقبل بالتعددية السياسية والفكرية، وترفض الاستبداد أيا كان شكله، عسكريا كان أو علمانيا أو دينيا، وتسعى دائما للتواصل والتفاعل مع كل مكونات المجتمع.
وعلى القوائم الانتخابية لحزب الحرية والعدالة وصل إلى البرلمان أكبر عدد من النساء، وعدد من المسيحيين الذين قبلوا بالترشح على قوائمه.
ويعدّ الإخوان المسلمون حرية الإنسان منحة إلهية وحقا طبيعيا يستمد قدسيته من نصوص الدين قبل أن يستمد قوته من نصوص الدساتير والقوانين، ويقف الإخوان بالمرصاد لكل من يريد الانتقاص من هذه الحرية، أو الانحراف بها إلى العدوان على حريات الآخرين.
والقاعدة الذهبية التى يتعامل بها الإخوان مع سائر التيارات السياسية والفكرية والمذهبية هى: «نتعاون معا فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه»، وهذا أفضل الأشكال لإدارة الاختلاف فى المجتمع الديمقراطى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.