من الصفات الأساسية للجيل الموعود بالنصر والتمكين: أنه جيل صابر.. يتحمل ما يلاقيه من ضغوط، ويجتاز ما يقابله من عقبات، ويثبت أمام المحن والبلايا التى يتعرض لها فى طريقه لتحقيق هدفه المنشود. لقد علم أبناء هذا الجيل أن الطريق الذى يوصلهم إلى هدفهم ليس مفروشا بالورود والرياحين، بل هو طريق صعب، مرير، طويل... ملىء بالأشواك والعقبات.. يقف على جانبيه شياطين الإنس والجن، يعملون جاهدين على إيقاف المسيرة، والحيلولة دون وصولهم إلى غايتهم التى نذروا حياتهم من أجلها، وهى رضا مولاهم والفوز بجنته. ... علم أبناء هذا الجيل طبيعة الطريق، فوطنوا أنفسهم على ذلك، واعتصموا بربهم، وعاهدوه على المضى قُدما فى هذا الطريق، فإما أن يموتوا فيه مجاهدين فى سبيل مولاهم، صابرين، ثابتين على عهدهم، أو يصلوا إلى هدفهم: ?مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا? [الأحزاب: 23]. - طريق أصحاب الدعوات: إن طريق أصحاب الدعوات الصادقة -طريق التمكين- طريق واحد لا ثانى له، سار عليه الرسل وأتباعهم: ?أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ? [البقرة: 214]. يقول الصلابى: "الابتلاء مرتبط بالتمكين ارتباطا وثيقا، فلقد جرت سنة الله تعالى ألا يُمكِّن لأمة إلا بعد أن تمر بمراحل الاختيار المختلفة، وإلا بعد أن ينصهر معدنها فى بوتقة الأحداث، فيميز الله الخبيث من الطيب، وهى سنة جارية على الأمة الإسلامية لا تتخلف، فقد شاء الله تعالى أن يبتلى المؤمنين، ويختبرهم، ليمحص إيمانهم، ثم يكون لهم التمكين فى الأرض بعد ذلك، ولذلك جاء المعنى على لسان الإمام الشافعى -رحمه الله– حين سأله رجل، أيهما أفضل للمرء: أن يُمكن أو يبتلى؟ فقال الإمام الشافعى: "لا يُمكَّن حتى يُبتلى"، فإن الله تعالى ابتلى نوحا، وإبراهيم، وموسى، ومحمدا -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين– فلما صبروا مكنهم، فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البتة". إذن فسنة الابتلاء من لوازم طريق التمكين: ?وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ? [محمد: 31].. ولا يوجد خيار آخر للتعامل معها غير الصبر والثبات والاعتصام بالله عز وجل ?رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ? [البقرة: 250]. - الصبر والثبات عند الجيل الأول: عندما نتأمل سيرة الجيل الأول نجد أنهم قد تعرضوا لفتن وابتلاءات عظيمة، كان من أشدها ما تعرض له المسلمون فى الأوائل فى مكة فصبروا وتحملوا وثبتوا على عهدهم مع الله.. انظر ما حدث لبلال -رضى الله عنه- وما فعله معه عدو الله أمية بن خلف، إذ كان يُخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره فى بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له، لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى، فيقول -وهو فى ذلك البلاء-: "أحد، أحد". ويقول عثمان بن عفان -رضى الله عنه- بينما أنا أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء إذا بعمَّار وأبيه وأمه يُعذبون فى الشمس ليرتدوا عن الإسلام، فقال أبو عمّار: "يا رسول الله، الدهر كله هكذا؟" فقال: (صبرا آل ياسر. اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت). لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم يراهم يُعذَّبون، فكان يأمرهم بالصبر؛ لأنه يعلم صلى الله عليه وسلم أن طريق الدعوات لا بد أن يصاحبه إيذاء ومضايقات وعقبات، ولا بديل عن الصبر والتحمل واجتياز تلك العقبات حتى يأذن الله بالفرج. تأمل معى ما قاله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه خباب بن الأرت رضى الله عنه عند الكعبة يشكو إليه شدة ما لاقوه من الأذى، ويطلب منه أن يدعو الله لهم، فاحمر وجهه صلى الله عليه وسلم وقال: ((لقد كان من قبلكم من ليُمشط بأمشاط من حديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه!! وليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)). وفى غزوة الأحزاب، ومع شدة البلاء، واجتماع المشركين على المؤمنين من كل جانب، وتضييق الخناق عليهم، تذكر هؤلاء ما أخبر به الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم عما سيلاقونه من متاعب وهم فى طريقهم لإقامة الدولة الإسلامية العالمية، فزادهم ذلك إيمانا وتسليما لله عز وجل وصبرا واحتسابا لما عنده ?وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانا وَتَسْلِيما? [الأحزاب: 22].