يتواكب الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير مع بروز دليل آخر على أن مصر بعد الثورة غير تلك التى كانت قبلها، وأن قيود التبعية وضعف الإرادة السياسية أمام الضغوط الخارجية قد ولت إلى غير رجعة، ففى زيارته قبل بضعة أيام إلى المملكة العربية السعودية لرئاسة مؤتمر القمة الاقتصادية العربية، دعا الرئيس محمد مرسى خلال لقائه مع مجلس رجال الأعمال المصرى السعودى رجال الأعمال السعوديين للتعاون مع نظرائهم المصريين لتمويل وإقامة جسر أو نفق يربط بين البلدين الشقيقين عبر البحر الأحمر، وقد تجاوب رجل الأعمال السعودى يحيى بن لادن مع دعوة الرئيس، معربا عن استعداد مجموعته لتمويل وإنشاء مشروع الجسر بالتعاون مع شركة المقاولون العرب. وهذا المشروع الحلم سيربط بين قارتى إفريقيا وأسيا، وسيصل بين الدول العربية شرقا وغربا، من خلال طريق برى قد يتضمن خط سكك حديدية موازيا؛ حيث سيمتد من منطقة تبوك بين رأس حميد ومضيق تيران فى شمال السعودية، إلى مدخل خليج العقبة فى مصر بطول 50كم، بتكلفة متوقعة تناهز 3 مليارات دولار، بتمويل من مؤسسات مالية وعقارية مصرية وسعودية خاصة، ويستغرق تنفيذه نحو 3 سنوات، ويتميز المشروع بجدواه الاقتصادية المؤكدة والسريعة؛ حيث يمكن استرداد تكلفته الكلية خلال فترة تتراوح بين 8-10 سنوات، بينما المشاريع المماثلة تستغرق ضعف أو ضعفى تلك الفترة. وتعود فكرة هذا المشروع العملاق إلى أكثر من ربع قرن، وبعد جريمة النظام وتسبب أحد رموزه الإجرامية الهاربة فى غرق العبارة السلام فى فبراير 2006 ومقتل أكثر من ألف مواطن مصرى وعشرات المواطنين السعوديين كانوا على متنها، طفا على السطح مجددا الحديث عن مشروع الجسر البرى، ويبدو أنه كانت قد اتخذت خطوات بالفعل نحو الشروع فى الإعلان عنه ودخوله مرحلة التنفيذ، بدليل أن الصحف السعودية (كافة) أعلنت حينها أن المخلوع حسنى مبارك سيضع مع العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز حجر الأساس له فى منطقة تبوك فى 12 مايو 2007. ومن المعلوم أن الصحف السعودية لا تستطيع إطلاقا نسبة خبر أو نشاط مزمع للملك دون توجيه رسمى من الديوان الملكى، ولكن المخلوع بادر بنفى الخبر، معتبرا أنه مجرد أقاويل وشائعات، مؤكدا أنه لن يسمح بالإضرار بالسياحة والهدوء والأمن فى شرم الشيخ، والحقيقة أن الدوافع والإملاءات السياسية الخارجية كانت هى السبب فى منع مرور الجسر عبر شرم الشيخ التى كانت منتجع المخلوع المفضل للراحة والاستجمام أغلب فترات العام، لا سيما خلال السنوات العشر الأخيرة من حكمه!! ورضخ المخلوع كعادته للضغوط الصهيونية والأمريكية الرافضة لمشروع الجسر، وحينها حذر موقع "ديبكا" الاستخباراتى التابع للموساد الصهيونى من المشروع، معتبرا أنه ستكون له عواقب وخيمة على المصالح الاقتصادية والإستراتيجية والعسكرية والجيولوجية للكيان الصهيونى، وصاحب ذلك رسائل تحذيرية من البيت "الأسود" الأمريكى للحيلولة دون تنفيذ أى مشروعات بين الدول العربية فى خليج العقبة دون موافقة ومشاركة تل أبيب؛ لأن من شأن مشروع الجسر أن يحد من التقسيم الذى صنعه الاستعمار الغربى لفصل الوحدة الجغرافية للعالم العربى، وأن يحكم السيطرة العربية على مدخل خليج العقبة، وهو ما يصب حتما فى تعزيز الأمن القومى المصرى والعربى. وبمبادرة الرئيس مرسى بإحياء هذا المشروع الحضارى تؤكد مصر أن قرارها فى عهدها الجديد تحكمه مصالح الشعب المصرى، وأن إرادتها السياسية لم تعد رهنا بعواصم فى الغرب أو الشرق، ومن المتوقع أن يؤدى تنفيذ الجسر البرى إلى إنعاش النشاط التجارى بين مصر والسعودية، ويفسح المجال لإقرار العديد من اتفاقيات التعاون الاقتصادى بين البلدين، وتيسير نقل الصادرات والبضائع المصرية إلى دول الخليج، وزيادة الدخل القومى لمصر، وبالإضافة إلى ذلك سيكون الجسر ممرا دوليا لدول الخليج إلى دول شمال إفريقيا، تستفيد من عائدات المرور به كل من القاهرة والرياض، وقالت دراسة أعدتها "مجموعة بكتل الأمريكية" إنه يمكن استخدام الجسر فى عبور خط أنابيب بترول من السعودية محملا على جسم الجسر إلى داخل سيناء، عابرا قناة السويس، ليتصل بخط الأنابيب المصرى "سوميد"، ومن ثم يتم تصدير النفط إلى الأسواق الأوروبية من ميناء غرب الإسكندرية. كما يعد الجسر أحد محاور التنمية الاقتصادية والسياحية لشبه جزيرة سيناء؛ حيث من المتوقع أن يضاعف من عدد الليالى السياحية العربية فى شرم الشيخ، فى ضوء اختصار الجسر الزمن والمسافات والجهد، وهو ما سيؤدى بدوره إلى تزايد الإقبال المتوقع من ملايين السياح السعوديين والخليجيين، نظرا لسهولة السفر خلال ساعات قليلة، ولانخفاض تكلفة انتقالهم وعائلاتهم بسياراتهم الخاصة، أو عبر شركات النقل التى ستعمل على هذا الجسر. وسيحد الجسر كثيرا من النفقات التى تقع على كاهل مئات الآلاف من الحجاج والمعتمرين المصريين، على مدار العام، ويكفل لهم راحة أكثر، فى رحلة سفر أقل وقتا وكلفة، بديلا عن الطائرات وتكلفتها المرتفعة، والتكدس فى المطارات، والعبارات التى تبحر بين الموانئ المصرية والسعودية وما يكتنف رحلاتها من مخاطر ومشقة وطول زمن الرحلة؛ حيث تتواصل عبر ثلاث دول من مصر إلى السعودية مرورا بميناء العقبة فى الأردن، بينما الجسر سيختصر المسافة لتكون بين شرم الشيخ وتبوك. ------------------------ خالد الأصور [email protected]