يأتي قرار البنك المركزي برفع الحد الأقصى للإيداع الدولاري ليعبر عن حجم أزمة نقص العملة الأجنبية لديه، وعدم قدرته على توفير الغطاء الدولاري لاستيراد السلع الأساسية. وفي سياق متصل، قال هاني جنينة، رئيس قسم البحوث في بنك الاستثمار فاروس، ل"رويترز" إن قرار البنك المركزي برفع الحد الأقصى للإيداع الدولاري يعني أنه استنفذ كل مصادر الحصول على العملة الصعبة من السوق المحلي ولم يعد لديه المزيد لتغطية واردات السلع الأساسية. وقرر البنك المركزي، الثلاثاء الماضي، رفع الحد الأقصى للإيداع الدولاري بالنسبة إلى الشخصيات الاعتبارية إلى 250 ألف دولار (أو ما يعادله بالعملات الأجنبية) شهريا بدلا من 50 ألف دولار، وبدون حد أقصى يوميا لتيسير استيراد السلع والمنتجات الأساسية. وأوضح جنينة أن "البنك المركزي كان يعتمد خلال الشهرين الآخيرين على تدبير العملة الصعبة للاستيراد من ودائع القطاع المصرفي.. ولكن يبدو أنه لا تظهر في الأفق مصادر جديدة من مساعدات خارجية.. ولذلك فإنه قرر اللجوء إلى المصدر الأخير للعملة الأجنبية وهو دولارات السوق السوداء التي تتداول خارج البنوك". وأضاف أن رفع الحد الأقصى للإيداع الدولاري يعطي إشارة إلى أن "البنك المركزي وصل إلى خط النهاية في تدبير العملة الصعبة". وأضاف أن إجراء الامس علامة أيضا على زيادة ضغوط الطلب على الدولار لتغطية عمليات الاستيراد وكذلك لتمويل الخروج الكبير للأجانب من البورصة خلال الشهرين الماضيين. وقال "الضغوط كبيرة جدا على البنك المركزي لتوفير الدولار .. هناك شركات من القطاع الخاص تحدثت إلينا عن احتياجات كبيرة من العملة الصعبة.. كما أن البنك المركزي سدد 700 مليون دولار لنادي باريس هذا الشهر..وتتراكم عليه التزامات للشركات الموردة للغاز المسال المستورد بالإضافة إلى مستحقات الشركاء الأجانب". وتواجه مصر التي تعتمد اعتمادا كثيفا على واردات الغذاء والطاقة نقصا في الدولار وضغوطا متزايدة لتخفيض قيمة العملة. ويفرض البنك المركزي منذ فبراير الماضي حدا أقصى على الإيداع النقدي للعملات الأجنبية بقيمة 10 آلاف دولار يوميا وبحد أقصى 50 ألف دولار شهريا، لمواجهة السوق السوداء للعملة. ورغم أن المركزي نجح في تحجيم نشاط السوق السوداء في فترة معينة إلا أن هذا القرار أثار حفيظة التجار والمنتجين وقوض قدرتهم على فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع والخامات ومستلزمات الإنتاج. وحدد المركزي، في بيان أمس على موقعه الإلكتروني، مجموعة من السلع الأساسية التي يسري عليها الحد الأقصى الجديد وهي السلع الغذائية الأساسية والتموينية، الآلات ومعدات الإنتاج وقطع الغيار، السلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج والخامات، والأدوية والأمصال والكيماويات الخاصة بها. وقال جنينة إن "البنوك التجارية لم تكن تدبر العملة الصعبة أصلا سوى لقائمة السلع الأساسية التي يضعها البنك المركزي، وأن رفع الحد الأقصى لهذه السلع فقط يعني أن البنوك أيضا لم تعد قادرة على تدبير العملة الصعبة لتمويل استيراد هذه السلع..وهذا ما أكده لنا أحد البنوك الخاصة في مصر". وأبقى البنك المركزي على التعليمات الخاصة بوضع حد أقصى للإيداع بواقع 10 آلاف دولار خلال اليوم وبحد أقصى 50 ألف دولار خلال الشهر بدون تعديل للأفراد الطبيعيين، والأشخاص الاعتبارية بخلاف ما ورد في قرار رفع الحد الأقصى للإيداع. من جهتها اعتبرت إيمان نجم، محللة الاقتصاد الكلي في بنك الاستثمار برايم، إن قرار المركزي إيجابي وصحيح وسوف يسهم إلى حد ما في تخفيف الضغوط التي يعاني منها المستوردون، لكنها قالت إن "القرار لن يكون الحل الحاسم والشامل لأزمة توفر الدولار..المشكلة أصبحت أكبر من ذلك". وانتقدت نجم إصدار البنك المركزي عدة قرارت بشكل منفصل لما قد يسببه من إرباك للسوق، وقالت "كان من الأفضل أن يتم الإعلان عن قرارات ضوابط الاستيراد ورفع الحد الأقصى مرة واحدة لتحديد سياسة واضحة للبنك المركزي". وأضافت أن خروج القرارات بهذا الشكل يشير إلى أن هناك "حالة من التخبط وعدم الوضوح في السياسة النقدية". وعما إذا كان رفع حد الإيداع سوف ينعش السوق السوداء للدولار قالت نجم "السوق السوداء موجودة وأمر واقع". وهبطت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي من 36 مليار دولار في 2011 إلى حوالي 16.445 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي.