مهما كانت الضرورة الملحة لإيقاظك، لا يوصف تلك الشعور.. أن يرتعش جسدك فزعا، صرخت بأذني.. قوووووومي يا سماح في مجزرة في العنبر العسكري! انتفض جسدي, واتسعت عيني، لأجد رفيقة سرير المعتقل "قومي يا سماح البسي.. رجال الأمن المركزي بالخارج". أنا: هي الساعة كام؟ هي: الثامنة صباحاً اهرش برأسي متسائلة.. الحملة الأمنية وصلت؟ هي: بصوت متقطع من البكاء.. "ايوة, طابورين من رجال الأمن المركزي, واقفين أمام العنبر العسكري يدبدبون بأرجلهم وفي أيديهم عصي, ويتقدمهم رجال إدارة السجون. ولعلمي أن فقرة الاستعراض الأمني قد تستغرق ساعات, قلت لهم بشيء من الضجر, لما يحصل "اقتحام للعنبر صحوني". جملتان بالعين غير منطوقتين من كلينا هي: اتخمدي يا باردة أنا: "والله لم يفزعني مصيبة مجيئهم بقدر ما أفزعتني طريقتكم المستفزة في إيقاظني.. لم تمر ساعة إلا ووجدت أصوات تصرخ "حسبي الله ونعم الوكيل". أدركت أن الحملة الأمنية بدأت في عملها، وقفت جميع الفتيات بعنبر "التحقيقات" أمام البوابة الحديدية المطلة على ساحة التريض, وجدنا فتيات العسكري تجر من شعرها وتضرب بالعصي من الخلف, ويركل بهم, وهن يصرخن, وكلمات نائبة تعلو. سارعت ومعي حجابي إلى "دورة المياه", توجهت نحو صنبور المياه لغسل وجهي, وإذا بمسئولة نبطشية بالعنبر وتدعى "ماجدة" تسارع نحوي وتجذبني من يدي. ماجدة : تعالي معايا بسرعة يا سماح. أنا: في ايه؟ ماجدة: من غير كلام, يلا, وعلى وجهها علامات الخوف والفزع بمجرد اقترابي من غرفتنا وجدت ملابسنا وأغراضنا مفترشة الأرض وسكب عليها "زيوت"، وكتب الطلاب قطعت وهم يخربون بكل ما أوتوا من قوة محتويات الغرفة. لا يوجد بالعنبر سوى رجال الأمن والباب الحديدي المغلق مفتوح, وأحدهم يير لي بغرض الخروج منه, وهو يتمتم بشتائم قذرة. خرجت من الباب, لأجد ساحة التريض قد تحولت لعرض تذنيبي, حيث وقفت فتيات عنبر التحقيقات ووجههن للحائط, وقرابة 30 رجلا من رجال الأمن يحاوطهن بالأسلحة والعصي, ويضربهن على ظهرهن. لم تتحمل المرأة العجوز التي تجاوزت الخمس والستين عاما "الحجة نعيمة أحمد" هذه اللطمات الموجعة, وهم يتبادلون السخرية اللفظية ويوزعون العصائر التي كانت بغرفتنا و"يطفحونها" أمامنا. مشهد كاف بأن يفجر بركان غضب ثوري بداخل كل واحدة منا, فارتفع صوت إحداهن "مني عبد الرحمن" حسبي الله ونعم الوكيل. فإذا بقائد الحملة -مدير مصلحة السجون- مجدي سيف, يتقدم ليتابع العرض التأذنيبي ومعه رجلان أجسادهما كالثيران, ويأمرهما بالتفتيش الذاتي لنا. ويبدو أن السجنات أردن أن يظهرن ولاءهن للحملة الأمنية, فلم يترددن في توبيخنا وإهانتنا بأبشع العبارات, وقذف أعراضنا أمام "رجال" أمن الانقلاب. لم يكن تفتيشا, إهانة جسدية, لا أبالغ حين أصفه بالتحرش البدني, أن تتعرى امرأه أمام امرأة!! وكيف لنا أن نقابل هذا, صرخت إحدى البنات من الداخل وهي تبكى: "لا.. حرام عليكِ". السجانة كوثر وسيدة: جرى ايه يا بنت منك ليها! انتو نسيتوا اللي حصلكم في رابعة!! يا بنات النكاح! صريخ وبكاء زميلتي, اهتز له شعر رأسي, خرجت من طابور التذنيب, وتوجهت نحو مدير الحملة.. أنا عاوزه اعرف احنا بيتعامل فينا كده ليه؟ وقال لي بغرطسة: "عشان اصحابكم اللي في العنبر العسكر قلوا أدبهم, والسئية بتعم".. يا فندم أنا أرفض طريقة التفتيش, والعرض التذنيبي, هما اللي وقع عليهم الضرب والإهانة, واللي أعرفه ان اللي غلط يتعقاب, ده العدل! مدير المصلحة : روحي اقعدي هناك أنا: مش هقعد المدير: خدوا البنت دي ع الحبس الانفرادي ومن غير "شبشب" وهاتلولي الملف بتاعها, انتِ شغاله ايه؟ أنا: صحفية المدير: طظ أنا: طب والله لما هخرج هفضحكم. هو: مش لما تخرجي الأول! للتذكير سبب الحملة أن بنات العنبر العسكري, اعترضوا على الأسلوب الذي تنتهجه "السجانة سيدة" التي تتناوب كل فترة عليهن, لسبهم والتحرش اللفظي. في يوم التاسع من يونيو كانت بداية الثورة على تلك المعاملة السئية, حيث أعلن الفتيات وقتها أنهن لن يسمحن لها بالتعدي اللفظي أو البدني عليهن. وبالفعل بمجرد أن بدأت سيدة وأعوانها من السجانات الاعتداء البدني باستخدام العصي, فانتزعت منها فتاة العصي وهددنها قائلين "ليس من حق أحد أن يتطاول علينا, والمعاملة بالمثل من اليوم, لن نسكت على إهانة بعد اليوم, مقاومة الفتيات أحست السجناتات بأن هيبتهن أمام الجنائيات قد ذهبت, فسارعن بتعبئة الجنائيات نحو العنبر في اشتباك وعراك نسائي, أظهرت فيه فتيات العسكري قدرتهن النسائية على مواجهة الجنائيات والسجانات قوة العضلات أمام الذكاء ففي الوقت الذي كانت تستخدم فيه السجنات العصي وتستعرض فيه الجنائية قوتها البدنية كانت سجينة الرأي تدفع بذرات ملح الطعام على وجوههن ليتفادين شرهن. عندما علمت إدارة مصلحة السجون بما حدث دفعت بحملة "رجالية" خاصة لضرب وسحل الفتيات. نستكمل في الحلقة القادمة