مقدمات مجزرة القناطر .. التاسع من يونيو الحلقة السابعة لهيب الحرارة منعنا من الخروج للتريض أو الذهاب للكافتريا ذاك اليوم، فقمنا بكتابة ما نريده بورقة صغيرة وأعطينها لزميلتنا بالمعتقل "نادية فتحي"، فهي كانت أكثرنا حماسة وحرصًا على شراء المثلجات.. كنا في حالة من الخمول الصيفي.
كنت ممدة على سريري وبجواري شيماء أحمد، وفي السرير المقابل تقرأ هبة كردي بمصحفها وتراجع ما حفظته في صمت، وأسماء مختار تراجع دروسها، ومنى عبد الرحمن وليلى محمد يطهيان الطعام، وكبار السن أمثال الحاجة نعيمة وسامية شنان ونجاح أحمد يجلسن بجوار باب الزنزانة المطل على ساحة التريض في قراءة الأذكار، وهند منير كانت تقرأ بكتاب تفسير الأحلام، وشقيقتها رشا منير تستمع إلى الأخبار بالراديو. وهبة نجم ومروة أبو ضيف وسميرة فايز في حالة استرخاء، وهاجر طاهر وكريمة الصريفي بالمحكمة لحضور الجلسات القضائية الخاصة بهن، أما طالبات الأزهر الأربع؛ وهن "دارين مطاوع وفاطمة بهاء الدين وعائشة فؤاد، وعائشة عبد الحفيظ"، فكن يتجاذبن أطراف الحديث وهن يصنعن "حظاظات رابعة" وأشغالا يدوية.
وإذا بصوت نادية وهي تصرخ وقد خُلِع منها حجابها "والله لوريكم"، وعلى وجهها آثار من ضرب.. انتفضنا نحوها مهرولات نتساءل "مين اللي بهدلك كده؟؟" نادية: البنات في عنبر العسكري يتعرضن للضرب، وأنا رايحة الكافتريا لقيت السجينات يضربهن، وبعتوا للجنائيات بعنبر الآداب يساعدهن في ضربهن بالعصي والشوم.. بس أنا ضربت واحدة منهن، هما بيتكتلوا علينا! وبينما نستمع لنادية وهي تصف مشهد الاعتداء على فتيات العنبر العسكري، الذي يضم ما يزيد عن 25 معتقلة، معظمهن طلبة جامعات، وجدنا إحدى المعتقلات تدعى نعمة وهي تجري إلينا لتخبرنا بأن الفتيات بالعنبر يتم ضربهن، وسرعان ما قامت إحدى السجنات بجذبها من شعرها ويديها لمنعها من التقدم إلينا وإخبارنا عما يدور في العنبر العسكري.. ويكأنه بركان غضب ثائر.
وأعلن السجينات حالة الطوارئ، فأغلقن الباب الرئيسي لعنبر التحقيقات، ووجدنا رئيسات النبطشيات جميعهن بالخارج لمتابعة ما يحدث بالخارج، لتلقي الأوامر من إدارة السجن، وأصوات صريخ وهتافات فتيات العسكري كجرس ثوري يرن بأذاننا فيوجعنا ويبكينا.إلى أن وجدنا "ناصرة" و"ماجدة " و"أمل" وهن رؤساء نبطشيات عنبرنا دخلوا إلينا بغرض تهدئتنا، والتأكيد على أن ما يجري بالخارج ما هي إلا مشادة عابرة، وقفت دارين مطاوع أمام باب الزانزنة لتستأذن إحدى السجينات للخروج والاطمئنان عليهن، فردت عليها "مالكوش دعوة بيهم هما مش متربيين".
وهنا ثار العنبر بالهتافات المطالبة بالخروج إليهن "يا جنود الله صبرا.. إن بعد العسر يسرا.. لا تظن السجن قهرًا، رب سجنا قاد نصرًا".
عشر دقائق من الهتاف المتواصل بحناجر شاكية إلى الله "اللهم انتقم، اشهد يا الله، اغضب يا رب"، الأيادي تشابكت جميعها أمام باب الزنزانة، وتوقفت الألسنة لنسمع ما يدور بالخارج، وإذا بجنائيات الآداب يعلو صوتهن من الخارج "اضربوهم.. وهن يتراقصن بأغنية تسلم الأيادي". كان كل ما يشغل بالنا ما يحدث لأخواتنا بالخارج، فالممارسات الكيدية لطالما اعتدنا عليها بالخارج، فهن من نشفق عليهن حقًا.. وندعو بأن يسخر الله منهن كما يسخرن.
وبعد مرور ساعة علمنا أن إحدى المعتقلات بالعنبر وتدعى الدكتورة سماح سمير، كسرت يديها على يد سجانة تدعى سيدة، وتم احتجازها في الحبس الانفرادي، وفي صباح الغد ستأتي حملة "تأديب" لسجينات الرأي يقودها مدير مصلحة السجون. مرت الليلة والجميع في حالة من الخوف والترقب، فجميع الفتيات هنا ذاقت من ويلات التعذيب ما يكفيها، ولا تحتمل أن يضغط أحد على ذكرياتها المؤلمة؛ بلطمة وجه أو التعرض البدني لها. وكانت جميع الأسئلة تحوم حول.. .. ماذا ينتظرنا في الغد؟ يا رب هون!