شكك حقوقيون وسياسيون بجدية حكومة الانقلاب في تحسين أوضاع حقوق الإنسان، لا سيما المتعلقة بمدد الحبس الاحتياطي رغم توجيه قائد الانقلاب الدموي عبد الفتاح السيسي، بسرعة تفعيل توصيات ما يسمى بلحوار الوطني بشأنها، وأكدوا أن مشكلة حقوق الإنسان ليست مرتبطة فقط بمدد الحبس الاحتياطي، بل بسياسة "التدوير"، وهي إدخال المتهم في قضية أخرى بعد انتهاء مدة حبسه في القضية الأصلية، وبذلك يظل محبوسا إلى ما لا نهاية، كما يرتبط واقع حقوق الإنسان ، بالقبض العشوائي على المواطنين، وسياسة "الإخفاء القسري"، إضافة إلى التعذيب في السجون، وغيرها من المشكلات. كان المتحدث باسم الانقلاب قد أعلن ، أنه بعد رفع توصيات الحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي والعدالة الجنائية إلى السيسي، وجّه بإحالة التوصيات لحكومة الانقلاب وسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل التوصيات المتوافق عليها، استجابة لمناقشات الحوار الوطني التي تميزت بالتعدد والتخصص وفق تعبيره . وزعم السيسي أن استجابته لتوصيات الحوار الوطني، نابعة من الرغبة الصادقة في تنفيذ أحكام الدستور والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. وشدّد على أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة، مع تفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطي المختلفة، وأهمية التعويض المادي والأدبي وجبر الضرر، لمن يتعرض لحبس احتياطي خاطئ. سلطات استثنائية في المقابل أكد المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، أن تعديل قانون الإجراءات الجنائية، ليس كافيا لإنهاء كارثة الحبس الاحتياطي في مصر. وقال المركز في بيان له: "مع التسليم بأهمية تقليل مدد الحبس الاحتياطي، وهو مطلب متكرر ودائم لها ولغيرها من مؤسسات المجتمع المدني المعنية، إلا أنها تصبح بلا جدوى ولا أهمية طالما ظلت نصوص قانون مكافحة الإرهاب بما تتضمنه من سلطات استثنائية واسعة في موضوع الحبس الاحتياطي قائمة ومطبّقة ونافذة، خاصة المواد 40-42-43 من هذا القانون، الذي مسّ ولأول مرة في تاريخ القضاء المصري بوحدة القواعد الإجرائية للمحاكمات". وأوضح أن هذا القانون سمح بعدم التقيد بقواعد قانون الإجراءات الجنائية المتعلقة بمدد الحبس الاحتياطي، بل ووضع قواعد إجرائية جديدة غير تلك التي ينص عليها قانون الإجراءات الجنائية. وشدد المركز على أنه لا جدوى من تقليل مدد الحبس الاحتياطي طالما أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية لم يتضمن ضمانة واضحة وجازمة تحول دون استمرار ظاهرة تدوير المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا أخرى لتبرير استمرار حبسهم، معتبرا أن ذلك يعتبر نسخة معدلة لظاهرة الاعتقال المتكرر التي عانى المواطنون منها في مرحلة التسعينيات، في القضايا ذات الصبغة السياسية، وراح ضحيتها عشرات الآلاف قبل أن يتم وقف العمل بها. الإخفاء القسري وقلل الدكتور عمرو هاشم ربيع المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن "تقليص مدة الحبس الاحتياطي لا يحل المشكلة المرتبطة بوضع حقوق الإنسان في البلاد، ولكنه جزء من الحل". وأوضح ربيع في تصريحات صحفية أن مشكلة الحبس الاحتياطي لها أربعة أبعاد، وهي المدد والتعويض وسياسة الدمج والتدوير. وأكد أن الحبس الاحتياطي ليس العقبة الوحيدة، لأن الجهات الحقوقية تشتكي من الإخفاء القسري والقبض العشوائي، مثل ما حصل مع المتحدث السابق باسم الحركة المدنية الديمقراطية وأحد مؤسسيها المهندس يحيى حسين عبد الهادي (قبض عليه الشهر الماضي)، وحرية النشر، وحق التظاهر، وأوضاع السجون، وحرية الإعلام، والحريات الأكاديمية تعديلات شكلية وأكد بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان أنه "منذ 23 يوليو 1952، ومصر لا تحكم بدستور أو قانون أو برلمان أو مجلس وزراء، بل بالإرادة المنفردة للحاكم المستند إلى دعم المؤسسة العسكرية والأمنية". وقال حسن في تصريحات صحفية : "رغم ذلك يحتاج الحاكم من وقت إلى آخر، لتلطيف صورة الحكم بشكل خاص عندما يكون إزاء مناسبات دولية مهمة نسبيا، موضحا أنه أنه مع استفحال أزمة مصر الاقتصادية وتجاوز ديونها نسبة 90% من إنتاجها الإجمالي، واحتياج دائني مصر التبرير لشعوبهم دعم الحكم العسكري المستبد، فإنهم يحتاجون من وقت إلى آخر تبريرات ولو ورقية تجعل الرأي العام في بلادهم يبتلع ولو على مضض هذا الدعم الذي يقدم باعتباره إنسانيا للحد من فقر المصريين". وأوضح أن السيسي لذلك احتاج منذ عامين إخراج ورقة لا قيمة لها عنوانها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وتشكيل لجان كرنفالية لما نسميه ب"اللا عفو الرئاسي"، وال"لا حوار الوطني"، ثم أخيرا "تعديلات شكلية" على قانون الحبس الاحتياطي . وشدد حسن على أن هذه التعديلات لا تغل أيدي الأجهزة الأمنية، ولا القضاة عن مواصلة قمع المصريين وحبسهم وقتما يرغبون ولأي مدة يرونها مناسبة، على النحو الذي تواصل بعد الاستراتيجية والحوار ولجان العفو الرئاسي . منظومة العدالة من الناحية القانونية، قال المحامي خلف البيومي مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان : "أعتقد أن مشكلة السجناء والمعتقلين في مصر ليست في غياب النصوص الدستورية والقوانين المنظمة للحبس الاحتياطي، مؤكدا أن الظن بذلك أمر خاطئ وغير صحيح". وكشف البيومي في تصريحات صحفية أن المشكلة في منظومة العدالة بصفة عامة، في ظل توغل أمن الانقلاب واستفحاله، مع عدم وجود استقلال حقيقي للقضاء، معتبرا أن الحديث عن تحديث نصوص أمر لن يترتب عليه تحسين أوضاع حقوق الإنسان . وأعرب عن اعتقاده أن حكومة الانقلاب بالحديث عن الحبس الاحتياطي، تحاول أن تخفف حدة الانتقادات الموجهة إليها من الخارج، والخروج بتوصيات أقل في الاستعراض الدوري الشامل المرتقب بالأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان. وأضاف البيومي أنه على الرغم من ذلك، فهذا لا ينفي ولا يمنعنا من أن نبدي رغبتنا في تعديل قانون الحبس الاحتياطي ووضع حد لتجاوزات بعض الهيئات القضائية، وهو أمر بحال حدوثه قد يكون مفيدا في المستقبل حال تغير إرادة النظام الانقلابي.