ارتفعت حصيلة الشهداء في قطاع غزة بعد العدوان الصهيوني فجر الثلاثاء 09 مايو 2023م إلى نحو 15 شهيدا وإصابة أكثر من عشرين آخرين جلهم من الأطفال والنساء. وسط ترقب لتداعيات هذا العدوان الذي استهدف ثلاثة من قيادات المقاومة في غزة كلهم قيادات رفيعة بالجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وأسرهم وأطفالهم. من الناحية السياسية تستهدف حكومة بنيامين نتنياهو تعزيز شعبيتها في ظل ما كشفته استطلاعات الرأي خلال أزمة التعديلات القضائية التي وضعت الكيان الصهيوني على شفا الحرب الأهلية عن تراجع شعبية الائتلاف الحكومي الذي يتشكل من الليكود وعدة أحزاب يمينية متطرفة. كذلك تستهدف الحكومة ما يمكن أن نضعه تحت لافتة (الإلهاء بالعدو)؛ بمعنى أن نتنياهو وحكومة اليمين يستخدمون قواعد ما تسمى بنظرية (صناعة العدو)، من أجل توحيد الرأي العام الإسرائيلي على هدف واحد يسهم في تماسك الدولة العبرية وتعزيز وحدتها بدلا من التركيز على الصراع الأهلي والخلافات بشأن التعديلات القضائية التي تسببت في أزمة كبرى بدولة الاحتلال. وحسب النعامي فإن نتنياهو مدرك للتداعيات السلبية لتفجر الأوضاع الأمنية، لذلك فهو معني إلى حد ما بإحداث تحول على طابع الجدل الداخلي في إسرائيل، بحيث يتحول عن التركيز على التعديلات القضائية، وينشغل بالقضايا الأمنية. وينطلق نتنياهو من افتراض بأنّ بالإمكان إعادة السيطرة على الأوضاع الأمنية واستعادة التهدئة عبر توظيف جهود إقليمية ودولية. أما من الناحية الدينية فإن حكومة نتنياهو تقع تحت تأثير طاغٍ لقوى اليمين الديني المتطرف، ممثلة بشكل خاص بحركتي "المنعة اليهودية" التي يقودها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، و"الصهيونية الدينية" برئاسة وزير المالية والاستيطان بتسلئيل سموتريتش. حسب الخبير في الشأن العبري الدكتور صالح النعامي فإن المنطلقات الدينية الإيديولوجية التي توجه هاتين الحركتين دفعتهما إلى تبني استراتيجية "حسم الصراع" مع الشعب الفلسطيني، والقطع تماماً مع استراتيجية "إدارة الصراع" التي التزمتها الحكومات التي تعاقبت على دولة الاحتلال منذ انتهاء حرب 1967م. وهذا ما يفسر حسب النعامي دعوة بن غفير إلى عقد اجتماع عاجل للمجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن لاتخاذ قرار باستئناف عمليات اغتيال قيادات حركات المقاومة في قطاع غزة؛ ودعوة زميله سموتريتش إلى شنّ حملة عسكرية واسعة في الضفة الغربية، وتحديداً في جنين ونابلس، على غرار ما يعرف بحملة "السور الواقي" التي نفذها جيش الاحتلال في الضفة في ربيع 2002، والتي انتهت بإعادة احتلال جميع مدن الضفة.
أسطورة حرب يأجوج ومأجوج وحسب النعامي فإن هاتين الحركتين تنتميان إلى التيار الديني الخلاصي، الذي يؤمن بأن ترجل المخلص المنتظر، الذي سيقود اليهود إلى ريادة العالم، يتوقف على بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى وما يتبعه من حرب شاملة، تطلق عليها الأدبيات الدينية اليهودية حرب "يأجوج ومأجوج". وهذا ما دفع نائب رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال يئير الجولان إلى التحذير في تغريدة كتبها على "تويتر" من أن استلاب سموتريتش وبن غفير لنظرية "حرب يأجوج ومأجوج" تدفعهما إلى التصعيد ضد الفلسطينيين تحديداً في الأقصى من أجل أن تنفجر هذه الحرب. وقد أشار إلى ذلك الباحث الإسرائيلي بنحاس عنبري، في سلسلة مقالات كتبها في موقع "زمان يسرائيل"، لفت إلى أن بناء الهيكل وحرب يأجوج ومأجوج "يمثلان مشروع وخطة عمل متكاملة لكل من سموتريتش وبن غفير". من هنا، فإن الحكومة الإسرائيلية تحت تأثير سموتريتش وبن غفير، تواصل السماح لنشطاء جماعات الهيكل بمواصلة ممارساتهم الاستفزازية داخل الأقصى، وضمن ذلك أداء الصلوات التلمودية. ومما يغذي بيئة التصعيد حقيقة، أن مكانة قوى اليمين الديني المتطرف قد تعاظمت في الحكومة على حساب نتنياهو نفسه، في أعقاب اضطرار الأخير إلى تأجيل تمرير التعديلات القضائية تحت ضغط الشارع الإسرائيلي. فنظراً لأن قوى اليمين الديني قد هددت بالانسحاب من الحكومة في أعقاب تأجيل تمرير التعديلات، اضطر نتنياهو إلى استرضائها. وهذا ما دفعه إلى الموافقة على تشكيل مليشياً مسلحة خاصة ببن غفير، أطلق عليها "الحرس الوطني"، رغم أن نتنياهو كان يتحفظ من هذه الفكرة.