شهد الاقتصاد المصري في العام الجاري 2022 حالة غير مسبوقة من الانهيار نتيجة سياسات نظام الانقلاب التي تسببت في تزايد الديون الخارجية إلى ما يقارب ال 200 مليار دولار ، واللجوء إلى صندوق النقد والبنك الدولي ، للحصول على المزيد من القروض وفرض إملاءات الصندوق ، ومنها تخفيض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية وإلغاء الدعم ورفع أسعار السلع والمنتجات ، ما أدى إلى تزايد معدلات الفقر حيث يعيش أكثر من 60% من المصريين تحت خط الفقر . تجريف ممنهج حول هذا الانهيار أكد الدكتور حسام الشاذلي رئيس جامعة "كامبردج المؤسسية" بسويسرا أن مصر تمر بأصعب تجربة اقتصادية خلال عهدها الحديث، منذ انقلاب 1952الذي أطاح بالملكية وجاء بالجيش الذي وعد ضباطه المصريين بالرخاء والحرية والأمن والأمان؛ ولم ير المصريون منهم لا هذا ولا ذاك . وقال الشاذلي في تصريحات صحفية "رغم الفشل الاقتصادي المتكرر لدولة العسكر من عهد إلى عهد؛ لم يعرف المصريون فقدانا للأمل، وضيقا بالعيش، وكربا بالحياة، كما عرفوه بعهد السيسي". وأضاف ، يبدو أن السيسي، اختلف عن غيره؛ كون عهده شهد غيابا شبه كامل للكفاءات السياسية والاقتصادية بالدولة، فأصبحت مصر حقلا لتجارب غير ناضجة كلفتها هيكلها الاقتصادي، وقضت على بنيتها الإنتاجية والفكرية . وأشار الشاذلي إلى أن السيسي وحكومات الانقلاب واصلت خلال العام 2022، عمليات التجريف الممنهج لكل مصادر الثروات، وأدوات المنظومة الاقتصادية، فأصبحت مصر مكشوفة، وفقدت غطاءها الاقتصادي بجميع الأصعدة منتقدا السيسي لمواصلته القضاء على العقل الجمعي للدولة، مع وصول عدد المعتقلين السياسيين ومنهم أساتذة الجامعات وعمداء الكليات والباحثون المتخصصون والأطباء والمهندسون وغيرهم من المهنيين المحترفين لأكثر من 100 ألف معتقل . وأوضح أن الأوضاع الكارثية نتيجة مباشرة لمواصلة سياسة الاقتراض وغياب أولويات الإنفاق ، وتدمير البنية الصناعية والقضاء على المحاصيل الزراعية وغياب البنية التعليمية والبحثية الأساسية لأي نهضة اقتصادية . وكشف الشاذلي أن هناك طفرة حدثت في الفساد المؤسسي، والتي ورطت الجيش وقياداته ومؤسساته بالسياسة والأعمال، ما خلق سوقا أحادي الهيكل كانت نتيجته المحتومة الفشل الكامل، وهروب رؤوس الأموال المصرية والأجنبية .
تضخم مركب وأشار إلى استمرار توظيف منظومة السيسي، في توظيف الأجهزة الأمنية والمعتقلات والقمع، لتمرير السياسات المدمرة لقروض صندوق النقد الدولي، ورفع الدعم مؤكدا أن تلك السياسيات قادت مصر إلى حالة من التضخم المركب الخارج عن السيطرة، وقضت على قيمة العملة المحلية أمام الدولار، وأدخلت الجنيه في دوامة هبوط قد تصل لأرقام فلكية مع الفقدان الكامل لإدارة السوق من جانب البنك المركزي، وسط نقص شديد بالسلع الأساسية. وأوضح الشاذلي أن نظام الانقلاب كأي منظومة مدينة فاشلة بلا أدوات إنتاج ولا صناعة واصل رهن الأصول بالبورصات العالمية، وبيع المصانع والمؤسسات الهامة لدول أجنبية، ومستثمرين غير معروفين ما يستدعي تجربة الاحتلال الاقتصادي المقنع للبلاد، وتحكم منظومات أجنبية بحياة وقوت المصريين وشدد على أن منظومة الاقتصاد المسموم تمكنت من أركان البلاد وأوصلت المواطن لحالة من الفقر، وغياب الخدمات الأساسية، والغذاء والدواء، وتنذر بكارثة إنسانية وشيكة . وأكد الشاذلي أنه لا سبيل لإنقاذ مصر والمصريين من ذلك الثقب الاقتصادي والاجتماعي الأسود؛ إلا بتغيير سياسي شامل وفوري، يتبعه إعادة هيكلة كاملة للمنظومة الاقتصادية، مع اعتبار كامل لإسقاط جزء من المديونيات، ومراجعة التعاقدات الأجنبية، وإعادة هيكلة القروض .
تصنيفات مخزية وقال الدكتور علاء السيد استشاري التمويل وتطوير المشروعات والأوقاف الاستثمارية إن "المؤسسات الدولية ترصد الواقع المصري وتصدر الكثير من التقارير التي تؤكد تردي الأوضاع، واحتلال مصر ترتيبات مخزية بكافة المستويات طوال العقد الماضي وليس فقط خلال 2022". وأكد السيد في تصريحات صحفية أن ارتفاع الدين الخارجي لمصر لمستوى غير مسبوق، وتصنيف مصر كأكبر دولة مقترضة بالوطن العربي والشرق الأوسط، وحلولها كواحدة من 5 دول معرضة لمخاطر التوقف عن السداد في العالم يكشف عن الكوارث التي تشهدها البلاد في زمن عصابة العسكر. وأشار إلى أن دولة العسكر حافظت على الترتيب الأول عالميا كأعلى مانح لفائدة القروض ، موضحا أن هذا يثقل كاهل اقتصاد تمثل إيراداته بالدولار الأمريكي أقل من ربع إجمالي إيرادات الموازنة العامة للدولة، خاصة وأن معظم الإيرادات بالجنيه جباية ضرائب ورسوم وغرامات . وانتقد السيد مواصلة حكومة الانقلاب نهج استكمال مشروعات لا تصب في مصلحة المواطنين وتخدم فئات محدودة ، ما يكرس الطبقية الاجتماعية وتقسيم الشعب، وذلك اعتمادا على القروض المحلية والخارجية، دون توفير فرص عمل جديدة، أو مكافحة الفقر والبطالة والتضخم، ودونما اهتمام بالقطاعات الحيوية كالصحة والتعليم . وكشف عن توسع حكومة الانقلاب في التفريط في الأصول الإنتاجية الرابحة من بنوك، وشركات، وصناعات استراتيجية، بأبخس الأثمان، مما عزز سيطرة دول بعينها على مفاصل اقتصادية استراتيجية تعد أمنا قوميا ، موضحا أن مواصلة حكومة الانقلاب خيارات رفع الدعم، وفرض مزيد من الضرائب، أحدثت خللا بالتركيبة الاجتماعية الاقتصادية، فاختفت الطبقة المتوسطة واتسعت الطبقات الفقيرة، وكاد معظم الشعب يغرق بمستنقع الفقر والبطالة والمرض والتهميش الطبقي والسياسي. ولفت السيد إلى استمرار سياسات التضييق على القطاع الخاص وطرده من السوق لصالح سيطرة الوحدات الاقتصادية للجيش ، موضحا أن التعويم المتتالي للجنيه، أفقده معظم قدرته الشرائية وهو ما لم يعد المجتمع يحتمله، وينذر بانهيار الأسواق تحت وطأة التضخم. وشدد على أنه لا وجود لجهود حقيقية لدعم الطبقات الفقيرة، أو إحداث تعديل جذري للحد الأدنى للأجور يحمي الفقراء من تبعات تردي الإنتاج، وندرة السلع، والتضخم المتفاقم، وانهيار القيمة الشرائية للجنيه مؤكدا أن حكومة الانقلاب في 2022 أصرت على تكريس الخلل في الهيكل الاقتصادي للبلاد، ولم تقدم أي مبادرة لتوحيد الاقتصادات السرية الموازية للاقتصاد الرسمي، رغم أنها تمتص دماء المصريين وتمنع الإصلاح الحقيقي للاقتصاد.
نتيجة طبيعية وأكد السيد، أن نظام الانقلاب نجح في تنفيذ أجندات مجموعة البنك الدولي، من ناحية، والدول المنافسة الممولة للنظام، من ناحية ثانية، والعدو الإسرائيلي، من ناحية ثالثة في المقابل عمل على توصيل اقتصاد مصر لطريق مسدود، وأغرقها بالديون، وأفسد المناهج التعليمية، وخرّب الخدمات الصحية، وقمع العلماء وكبت الباحثين وطرد الكفاءات، واعتقل الناشطين حتى فرغ المجتمع من إيجابياته وأفقر الشعب وأمرضه وجهله وغسل أدمغته بإعلام فاسد . وأشار إلى تراجع دور مصر الريادي بكافة المجالات إلى ذيل كافة القوائم، وفقدان مكانتها الدولية والإقليمية والأفريقية والعربية والشرق أوسطية وبين دول البحر المتوسط ودول حوض نهر النيل ،موضحا أن حالة المصريين في 2022، تتمثل في فقدان الأمل بالمستقبل، مع قمع الحريات وتثبيط الهمم، وانتشار الفساد والفقر والجهل والتخويف . واعتبر السيد أن انهيار الاقتصاد نتيجة طبيعية لتضافر جهود حكومة ونظام لم يأت بهما الشعب، وطبيعي أن يكون ولاؤهما لمن يحمي استمرارهما رغم رفض الشعب لهما.