استقالة رئيسة الائتلاف الحكومي عيديت سيلمان، من حزب يمينا، ألقت بظلال سوداء كثيفة على الخارطة الحزبية الإسرائيلية، لأنها فتحت الباب واسعا أمام عدد من السيناريوهات الفوضوية التي تعكس حالة التعقيد والتشابك في المشهد السياسي داخل الاحتلال حكومة وأحزابا، لا سيما وأن حكومة بينيت الائتلافية جاءت بتوافق طفيف بعد أربع جولات انتخابية مبكرة لم تسفر عن حسم الصراع السياسي بين اليمين بقيادة بنيامين ننتنياهو واليسار ويسار الوسط بقيادة بينيت؛ لكن من الواضح أن المنظومة السياسية الإسرائيلية الحاكمة بدأت عدها التنازلي، رغم أن السؤال المركزي هو ليس إذا كان ذلك سيحصل، ولكن متى؟ وكيف ستنتهي هذه الأزمة؟ ويرى مراقبون في تل أبيب أنّ الانتخابات المبكرة هي الخيار شبه الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، على اعتبار أنّ المعارضة بقيادة بنيامين نتنياهو ليس بوسعها تشكيل حكومة بديلة في حال سقطت الحكومة الحالية، استناداً إلى موازين القوى القائمة حالياً في الكنيست. في الوقت الذي أربكت فيه استقالة سيلمان الائتلاف الحكومي الهش، يسعى رئيس الوزراء نفتالي بينيت بكل جهد لإحكام قبضته على حزبه، بينما يلعب الليكود بوصفه حزب المعارضة الأكبر من أجل تجنيد مزيد من المنشقين داخل الائتلاف الحكومي؛ ويبقى السؤال عما إذا سيتمكن بينيت من وقف حالة النزيف التي يمر بها حزبه وائتلافه الحكومي، ومنع أعضاء حزبه الآخرين من الانضمام إلى سيلمان، لكن مسؤولي التحالف أمامهم تحد حقيقي لمعرفة ما إذا كانوا قادرين على وقف النزيف ، حتى عودة الكنيست من عطلة الربيع، على الأقل حتى 10 مايو. ترى تال شاليف، المراسلة الحزبية في موقع ويللا العبري، أن "التركيبة الحكومية الإسرائيلية دخلت أيام العد التنازلي، والسؤال الرئيس الذي يطفو في الهواء ليس إذا، ولكن كيف ستنتهي عمليا، وهل سيكون مصير الكنيست هو صدور قرار بحلها، من خلال الدعوة للانتخابات قريبا، أم إيجاد 61 عضوا لتشكيل حكومة جديدة، مع وجود احتمال ثالث يتمثل بأن تستمر هذه الحكومة لفترة طويلة، رغم أنه احتمال مستحيل تقريبًا". وأضافت أن "الوضع العددي الحالي في الكنيست يجسد حالة عجيبة، بعد أن اعتقد أعضاؤه أن أزماته انتهت، لكن الوضع اليوم يشير إلى أن الائتلاف بعد استقالة سيلمان بات لديه 60 صوتا فقط، وبالتالي فلن يسمح له بدفع أي قانون مهم، خاصة الميزانية المقبلة، ما لن يمنح الحكومة وضع الاستقرار المطلوب، والنتيجة أن هناك معارضة منقسمة، فكتلة نتنياهو التي تضم الليكود والحريديم والصهيونية الدينية، لديها الآن 54 عضو كنيست، وبجانب سيلمان ومن سبقها عميحاي شكلي، ومع ستة أعضاء كنيست، فقد وصلوا إلى 60 عضو كنيست، يمكنهم أن يشلوا أي خطوة حكومية تريد دفعها". وحتى اللحظة ليس واضحا ما إذا كان المنشقون سيصوتون لحكومة لاحقة يقودها نتنياهو، لذا فإن احتمال تجنيد منشق آخر ليصبح عدد المعارضين 61 عضوا، لسحب الثقة من الحكومة، يبدو ضئيلا، وفي الوقت ذاته، لن يستطيعوا تشكيل حكومة جديدة، فعلى سبيل المثال، إذا حاول وزير الحرب بيني غانتس زعيم أزرق-أبيض، الاستفادة من الوضع المستجد، والتفاوض مرة أخرى مع الليكود والمتدينين للحصول على موقع رئيس الوزراء، فليس من المؤكد أن نتنياهو والليكود سيوافقون على ذلك. وسبق لسيلمان التي استقالت مؤخرا أن كشفت في مقابلات سابقة أنها تفضل حكومة بديلة عن الحكومة القائمة، فيما ركز نتنياهو في الساعات الأخيرة على أحزاب اليمين، للحصول على إصبع واحد فقط، رغم أنه يدعي أن مهمة حل الكنيست باتت أقل تعقيدًا بكثير. وقد يكون يائير لابيد زعيم حزب "يوجد مستقبل"، رابحا من هذه الأزمة، لأنه وفقا لاتفاق الائتلاف بينه وبين بينيت، فإذا سقطت الحكومة قبل التناوب، فسيصبح لابيد تلقائيا رئيس وزراء تصريف الأعمال، أي أنه سيكون رئيس الوزراء الرابع عشر لإسرائيل، بدلا من زعيم المعارضة، وإذا نجح الليكود في تشكيل حكومة بديلة، فإنه سيتفوق على أصدقائه وخصومه في كتلة يسار الوسط، وبالمناسبة، فلن يكون بينيت وزيراً في مثل هذه الحالة. في الوقت ذاته، فإن أعضاء حزب أمل جديد، برئاسة جدعون ساعر، لن يعودوا بالضرورة بعد انتخابات جديدة، وتفتقر للقيمة الانتخابية للدخول في تحالفات استراتيجية، لذلك لا يعني تسرعه في دعم الانتخابات المبكرة، أما باقي الأحزاب، خاصة المتدينين، فإنهم يدعون لتشكيل حكومة جديدة على الفور، دون الحاجة لانتخابات مبكرة، لأنهم يخشون احتمال حل الكنيست، والذهاب للانتخابات، ولا أحد يعرف ماذا ستكون نتائجهم، لذلك فإنهم يفضلون تشكيل حكومة أخرى. وتقدر أوساط سياسية في إسرائيل أن انتخابات مبكرة قد تجرى في سبتمبر المقبل، في أعقاب شواهد على تفكك حزب "يمينا" الذي يقوده رئيس الوزراء نفتالي بينت. فقد أشار موقع "والاه" الإسرائيلي إلى أنه ضمن الشواهد التي تدل على تفكك حزب "يمينا" الاجتماع الذي عقدته، قيادات في الحزب، وضم كلاً من وزيرة الداخلية أيليت شاكيد، ونائب الوزير أفيرا كرا والنائب أوري أورباخ، وقرروا فيه التنسيق في ما بينهم. وبحسب "والاه"، فإنّ كرا ناقش بالفعل فكرة انسحابه من حزب "يمينا" مع النائب عيديت سيلمان، التي أعلنت الأربعاء، انشقاقها عن الحزب وانضمامها إلى حزب "الليكود" والنائب عميحاي شيكلي، الذي انشق عن الحزب نفسه قبل عدة أشهر، وتشكيل كتلة برلمانية جديدة. من ناحيتها، ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم"، في عددها الصادر الخميس، أنّ كلاً من كرا وأورباخ اشترطا في اجتماعهما مع بينت، مواصلتهما دعم الحكومة الحالية بتمرير جملة من "القوانين اليمينية". ولفتت الصحيفة إلى أن الموقف من المشروع الاستيطاني اليهودي في الضفة الغربية، وتشغيل المواصلات العامة أيام السبت، كان ضمن القضايا التي أثارت حفيظة كرا وأورباخ من سياسات الحكومة الحالية. وأضافت الصحيفة أنّ بينت حاول ثني نواب حزبه عن الانشقاق، محذراً من أنّ انهيار الحكومة الحالية سينقل إسرائيل إلى حالة من الفوضى، مشيرة إلى أنّ وزير الأديان ماتان كهانا، القيادي في حزب "يمينا" والمقرّب من بينت، حاول إقناع كرا وأورباخ بالعدول عن موقفهما، قائلاً إنّ الحكومة يمكنها أن تعمل على تثبيت النقاط الاستيطانية التي دشنها المستوطنون بدون موافقة الحكومات الإسرائيلية، عبر ربطها بشبكات الكهرباء. وبحسب الصحيفة، فإنّ أوساطاً في الائتلاف الحاكم تقدّر بأنّ الحكومة الحالية لن يمكنها مواصلة إدارة دفة الأمور، وأنّ انتخابات مبكرة يمكن أن تجرى في سبتمبرالمقبل.