فتحي: "وجدنا جماهير المصري تركض تجاه مدرجاتنا، فلم نحرك ساكنا كوننا معتادين على هذا، فالأمر لن يتجاوز بعض السباب وإلقاء الطوب وفي أحلك المواقف التراشق بالشماريخ". ثم اتسعت عيناه – فتحي أحد أفراد أولتراس والذي نجى من الموت في بورسعيد – وقال: "فجأة، انشق الكردون الأمني المتواجد أمامنا ووجدنا الجماهير تصعد إلى المدرجات دون محاولة من الشرطة لإيقافهم". "عددهم كان أضعاف عددنا، والكارثة الأكبر كانت في حيازتهم لأسلحة بيضاء وشوم وأدوات لا تمت بصلة لنشاط التشجيع". وأكمل فتحي والتوتر واضح على قسمات وجهه "تركنا المدرج في محاولة للخروج من الملعب، ولكننا فوجئنا بغلق باب النفق الفاصل بين المدرجات وأبواب الملعب، ليتم حصارنا". فتحي على حد قوله لم يفوت مباراة للأهلي إلا وحضرها في الاستاد خلال أخر أربع سنوات، لم يشاهد باب النفق مغلقا في أي مباراة! وتابع فتحي "أنهار الباب بسبب التدافع وخرجنا إلى الساحة الفاصلة بين المدرجات وأبواب الملعب، لنجد أبواب الملعب مغلقة أيضا". وأكمل "قوات من الجيش متواجدة خلف الأبواب المغلقة، ورغم مطالبتنا لهم بفتح الأبواب لم يحدث". وأضاف "جماهير المصري كانت تفتك بكل من يقع تحت يدها مهما كان عمره، والتدافع أجهز على الباقين". ظلام الملعب ظل فتحي طيلة الليل يتساءل عن سبب فصل الكهرباء والمياه عن الملعب مع بداية الاشتباكات، إلا أن عقله صاحب ال15 عاما لم يسعفه لإيجاد إجابة. وواصل فتحي سرده لساعات الرعب والموت "غرقنا في ظلام دامس مع انقطاع النور، ما يزيد عن ربع ساعة من الصراخ والضرب وأصوات الرصاص والخوف من أن تصيبك ضربة لا تعلم مصدرها". وتابع "مع عودة النور كان المنظر هو ملابس وأحذية وحقائب وأجساد غارقة في الدماء يجمعهم الرقود على الأرض".
واستمر "اكتشفنا مع مرور الوقت سرقة أموال وهواتف وملابس العديد من المصابين والقتلى، وهناك جثث لم نتمكن من تحديد هويتها بسبب اختفاء محافظهم الشخصية". وأضاف فتحي "ما عانيناه من تهاون جعلنا نسعف المصابين بانفسنا، فلا وجود للأسعاف ولا لأي شخص يمد لنا يد العون". عودة الأمن! الجزء التالي من الحديث قد يستفز العديد من القراء، لذلك انصح كل من يعاني من أمراض الضغط والسكر وتصلب الشرايين بعدم الاستمرار حرصا على صحته. أضاف فتحي "بعد مرور ما يقرب من نصف ساعة حضرت قوات الأمن المركزي وعلى وجه جنودهم وضباطهم ابتسامة خفيفة حاولنا تكذيب أعيننا رغم رؤيتها". وأكمل "تسرب إلى أذني بعض الأحاديث الجانبية بين الضباط كانت تدور حول إننا مش رجالة غير عليهم، ولماذا لم ندافع عن أنفسنا؟!" وعن ما تردد حول أحاديث جانبية بين أفراد من المجموعة ورجال الشرطة أكد فتحي "خلال عودتنا في القطار، أكد البعض وجود تشفي من جانب الأمن إلا أنني على المستوى الشخصي لم أسمع سوى ما قلته". بداية المجزرة لم يكن يعلم أن هذا اليوم سيكتب كلمة النهاية لعلاقته مع العديد من أصدقائه الذين فقدهم في أحداث بورسعيد التي أسفرت عن مقتل 74 مشجعا أهلاويا. دار بيننا حوار قصير حذرته خلاله من القيام بأي أعمال شغب أو عنف كون "مصر مش ناقصة"، فأجاباني بابتسامة "والله لا نية خاصة بعد بيان نبذ العنف بين مجموعات الأولتراس في مصر". تمنيت له التوفيق والعودة سالما وبالطبع فوز الأهلي حتى لا يذهب تعبه وجهده من أجل حضور المباراة هباء. لقاء ثاني
جمعني بفتحي لقاء ثاني في الساعات الأولى من يوم الخميس عقب عودته من "مجزرة بورسعيد" على حد وصفه سرد لي خلاله تفاصيل ما حدث. على عكس حماس الصباح، وجدته مكسورا حزينا لا تفارق الدموع عيناه لفقدانه أصدقاء كانوا له بمثابة الأخوة التي لم تنجبهم والدته. بدأ فتحي حديثه بقول "ربنا يرحم من مات، والحمد لله على سلامة من عاد، فلقد جاء علينا وقت ظننا فيه أننا لن نخرج من بورسعيد إلا محمولين على نعوش". وواصل فتحي سرده لتفاصيل اليوم من بدايته "توجهنا إلى بورسعيد ونحن نعلم أن اليوم لن يمر بسلام، فالمناوشات ستحدث وقد يتطور الأمر لاشتباكات من بعيد لبعيد". وأكد فتحي أن مجموعات الأولتراس لا تشتبك جسديا إلا في أضيق الحدود وحتى لو حدث ذلك فالأمر لا يتعدى بعض الكدمات كون الهدف الأول من الاشتباك الاستيلاء على قميص المجموعة أو أدوات التشجيع. وتابع فتحي "لا تكون هناك أي نية لقتل المنافس أو تعجيزه، مجرد (خناقة) وتراشق بالحجارة". وأوضح فتحي "مناوشات الطريق من إلقاء حجارة على القطار والحافلات أمر طبيعي بات لا يشكل أزمة لأي مجموعة أولتراس خلال الترحال". *الترحال هو رحلات مجموعة الأولتراس إلى خارج مدينتها لتشجيع فريقها في مواجهاته بالمدن الأخرى. وأكمل فتحي "بعد المناوشات المعتادة وتكسير زجاج بعض الحافلات وصلنا للاستاد في حالة سعادة وثقة مرددين هتافاتنا المعتادة". لم يتسرب الخوف إلى نفوس الجماهير حتى مع محاولات جماهير المصري إلقاء الألعاب النارية على لاعبي الأهلي خلال الإحماء، وفقا لوليد. وأتم فتحي "استمر الهتاف والتشجيع حتى مع اهتزاز شباكنا بثلاثة أهداف، حتى أطلق حكم المباراة صافرة النهاية".