عمارة على الطراز الرومانى تطل على تمثال الشهيد عبدالمنعم رياض من جهة اليمين، وعلى المتحف المصرى من جهة اليسار، فى مدخلها مصعد على الطراز القديم أزراره سوداء وحوائطه خشبية، بابه الزجاجى يشعرك بأنك ستدخل إلى المجهول وليس إلى الدور الرابع، وحين تصل إلى الدور المنشود يخرج إليك من شباك مرتفع بشعره الأبيض قائلا: «اطلع السلم الحديد عشان ده مدخلى الخاص». المتحدث هو مخرج روائع الأفلام التسجيلية «على الغزولى». يكمل بقوله: «العمارة دى كانت كأنها مجلس قيادة ثورة يناير» بسبب موقعها المتميز: «يوم 24 يناير 2011 جالى اتنين ضباط أمن دولة ونبهوا عليا وعلى البواب.. مفيش حد غريب يدخل العمارة ولا أى قناة تليفزيونية تصور منها». ضحك كثيرا وهو يقول: «هما ما يعرفوش انى اصلا مخرج وانا اللى هاصور؟». مشاهد كثيرة أثناء الثورة مرت أمامه حرمته من النوم أياما، لكنه يتذكر أول مشهد تأكد منه أنها ليست مجرد مظاهرة: حين صعد شاب فى منتصف العشرينات فوق العربة التى ترش المتظاهرين بالمياه، ودخل «كبينة القيادة» واشتبك مع السائق حتى سقط الاثنان من فوق العربة. لحظة ارتطام الجسدين بالأرض كانت لحظة فاصلة لدى «الغزولى». وقتها عرف أنها ليست مظاهرة لكنها ثورة. الغزولى مخرج تسجيلى يحب البنطلونات الجينز واللون الأخضر ويعشق الفن التشكيلى، لم يجد سوى كاميرته الخاصة ليصور بها تلك اللحظات الفارقة فى تاريخ مصر، يعلم أنها ستكون وثيقة تاريخية مهمة فى السنوات المقبلة: «مشاهد ثورة 19 وتأميم قناة السويس وغيرها من وثائق تم شراؤها من الأرشيفين الفرنسى والبريطانى». يضيف: «للأسف إحنا ما بنسجلش تاريخنا». «الشهيد والميدان» اسم الفيلم التسجيلى الذى قام بإخراجه، ليوثق من خلاله ما حدث أثناء ثورة يناير، يقول متحمسا: «أنا شفت ما حدث فى موقعة الجمل ولو طلب حد شهادتى هقول كتير». يوم 2 فبراير وليلته يحتلان مكانة خاصة لديه، فهو رأى الكثير فى هذا اليوم المحورى: «بعد الخطاب العاطفى لمبارك، رأيت الخلخلة التى أحدثها كلامه فى المتظاهرين، لم أكن أتوقع ما سيحدث، وقتها عرفت أن الغد يحمل الكثير».