كان مقال الأسبوع الماضى عن البداية غير المبشرة لمجلس النواب الذى أحجم الكثيرون من الناخبين عن المشاركة فى انتخابه لأسباب مختلفة وغير محدّدة بدرجة معقولة من اليقين حتى الآن. وبناءً على ذلك اتخذ معظم المصريين موقف الانتظار حتى يبدأ المجلس جلساته ليكون حكمهم على أدائه موضوعياً غير متأثر بالأقاويل والشائعات التى تبادلها المرشحون على المقاعد الفردية وعلى القوائم، خصوصاً قائمة التحالف الجمهورى للقوى الاجتماعية وقائمة فى حب مصر. وفى يوم الأحد العاشر من يناير 2016، كان الاجتماع الأول لمجلس النواب فى جلسة الإجراءات، التى اشتملت أساساً على أداء الفائزين بعضوية المجلس، اليمين الدستورية وفق المادة 104 من الدستور، ثم انتخاب رئيس المجلس والوكيلين، حسب نص المادة 117. وكانت تلك الجلسة بداية لمواقف برلمانية غير مفهومة وغير مقبولة، من التى تُحتم على رئاسة المجلس التوضيح! وكان أول تلك المواقف غير المفهومة ولا المقبولة، أن أجهزة التصويت الإلكترونى لم تعمل، رغم الإعلان عن جاهزيتها قبل اجتماع المجلس بفترة طويلة، ولا يزال سبب عدم تشغيلها غير مفهوم! ثم كانت الصدمة التى فجّرها أحد النواب عند أدائه اليمين الدستورية إصراره على تحوير صيغة القسم من: «... وأن أحترم الدستور والقانون..»، إلى: «... وأن أحترم مواد الدستور والقانون..»، وهو بذلك قد خالف الدستور الذى يُقسم على احترامه بتجاهله الاعتراف بديباجته، التى نصت المادة 227 منه على أن يُشكل الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجاً مترابطاً، وكلاً لا يتجزّأ، وتتكامل أحكامه فى وحدة عضوية متماسكة!!! ولما أصر رئيس الجلسة الإجرائية المستشار بهاء أبوشقة على أن يُعيد العضو أداء اليمين، تمنّع مجاهراً برأيه بأنه لا يعترف بثورة 25 يناير 2011، وأنه لا يعترف بديباجة الدستور لأنها تتضمّن إقراراً واضحاً وصريحاً بأن «ثورة 25 يناير/ 30 يونيو، فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التى قُدّرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير الطبقات والأيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها، وهى أيضاً فريدة بسلميتها وطموحها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معاً». فكأن السيد العضو بعدم اعترافه بديباجة الدستور وإطلاقه عليها وصف «موضوع إنشاء» وإصراره على قصر أدائه «اليمين» على مواد الدستور دون الديباجة رغم المادة 227، وهى من ضمن مواد الدستور!!!! ومما زاد من هول الصدمة أن المستشار أبوشقة كان ليّناً مع هذا العضو وخاطبه بقوله «ألتمس»، ثم تدارك وقال «أطلب» منك إعادة القسم. وأيضاً، تجاهل رئيس المجلس المنتخب د.على عبدالعال ذلك الموقف برمته، حين تولى رئاسة الجلسة، وعلى الرغم من الخطاب المعد سلفاً، الذى قرأه سيادته بصفته رئيس المجلس، واستشهد فيه بنص ديباجة الدستور عن ثورة 25 يناير/ 30 يونيو، فإنه تجاهل تماماً موقف ذلك النائب وعدم اعترافه بديباجة الدستور وما تضمنته من إعلاء لشأن ثورة الشعب الأولى فى 25 يناير، وقد كان حرياً به وهو الذى أكد أكثر من مرة خلال تلك الجلسة أنه واضع الدستور، الأمر الذى يدعونا فى مطالبة واضع الدستور بإبداء الرأى الدستورى فى ما صدر عن النائب، ومدى صحة عضويته فى المجلس!!!! وثمة موقف آخر يحتاج إلى توضيح، إذ ذكر المستشار بهاء أبوشقة بصفته الرئيس المؤقت للجنة الدستورية والتشريعية بالمجلس أن القرار بقانون بتنظيم الحق فى التظاهر الذى أصدره الرئيس المؤقت عدلى منصور لن يُعرض على مجلس النواب ضمن القرارات بقوانين التى صدرت فى غيبة مجلس النواب كما تقضى بذلك المادة 156 من الدستور، وبرّر سيادته هذا الرأى بأن ذلك القرار بقانون كان قد صدر قبل العمل بالدستور! ولما كانت المادة 156 لم تُشر من قريب أو بعيد إلى مسألة صدور القرار بقانون قبل العمل بالدستور، حتى لا ينطبق عليه نص المادة المذكورة، بل إن المعيار الوحيد هو أنه إذا كان مجلس النواب غير قائم، فقد أجازت المادة 156 لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تُعرض وتُناقش، أو إذا عُرضت ولم يُقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار. ورغبة فى استيضاح مقصد المشرّع الدستورى من حكم المادة 156 وهل لها علاقة بالقرارات بقوانين التى صدرت قبل العمل بدستور 2014، اختلفت الآراء بين مؤيد لتفسير المستشار أبوشقة بعدم عرض قانون التظاهر، وكل القوانين التى صدرت قبل نفاذ الدستور فى 18 يناير 2014، وبين معارض لذلك الرأى بالاستناد إلى نص المادة 224 من الدستور التى تنص على أن «كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور، يبقى نافذاً، ولا يجوز تعديله، ولا إلغاؤه إلا وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة فى الدستور. وتلتزم الدولة بإصدار القوانين المنفّذة لأحكام هذا الدستور»، إذن فإن القوانين التى صدرت قبل نفاذ الدستور والمجلس غير قائم، وإن لم تعرض خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، حسب المادة 156، فهى ليست محصّنة ضد التعديل أو الإلغاء. ولما كان القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 قد أثار اعتراضات كثير من القوى السياسية والمجتمعية والمنظمات الحقوقية، وقد صدرت أحكام قضائية على الكثيرين ممن تظاهروا معترضين على ذلك القانون، إلى الحد الذى أصدر معه الرئيس السيسى عدة قرارات بالعفو عن بعض الشباب المسجونين والمتهمين بخرق قانون التظاهر، وقد سبق للرئيس أن ذكر فى خطابه إلى الأمة فى مايو 2015 أن هناك مظاليم فى السجون! إذن الأمر يستأهل من مجلس النواب اهتماماً بهذا القانون لتعديله وإزالة ما به من شبهات عدم الدستورية، ولا يعفى المجلس من تلك المسئولية كون القانون قد صدر قبل نفاذ الدستور. وإلى مواقف برلمانية أخرى فى المقال المقبل بإذن الله.