750 نفقاً على طول الشريط الحدودى 350 منها فقط تعمل أنفاق الأفراد أول ما عاد للعمل.. وإيجار خرطوم البنزين بالنفق 1000 دولار شهرياً كانت السماء تلقى بآخر أحمالها من رخات أمطار لتغسل سماء مدينة رفح الحدودية بغزة من غبار العدوان الإسرائيلى، الذى ألقى بحممه على طول الشريط الحدودى لتدمير مئات الأنفاق التى تمثل شرايين الحياة للقطاع المحاصر. كانت الحركة هادئة على غير العادة فى منطقة الأنفاق برفح، غابت قبب الباطون الأبيض التى كانت تغطى فوهات الأنفاق، بعدما دكت الطائرات الإسرائيلية الممرات والفوهات بعشرات الأطنان من قذائف إف 16. «دمرت طائرات جيش الاحتلال حوالى مائة نفق بشكل كبير فى حين ألحقت أضراراً كبيرة بعشرات الأنفاق الأخرى، وتحتاج من ثلاثة لأربعة أسابيع لإعادتها لحالتها» قال مسئول محلى بإدارة الأنفاق فى غزة طلب عدم ذكر اسمه. فى حين صحب أبوكمال ابنته ذات الثانية عشرة لتفقد منزله الواقع أمام منطقة الأنفاق مباشرة، كان بعض العمال يحملون الركام والأنقاض من المنزل المتهدم، نظر الرجل إلى الركام متحصراً على طيوره وعصافيره التى راحت ضحية للقصف الذى استهدف نفقين أمام باب داره «الحمد لله نجوت وأسرتى كلها من القصف لكن حيواناتى وطيورى وعصافيرى راحت كلها، جاءت الطائرات مساء ثالث أيام الحرب وقصفت الأنفاق بعدة قذائف فدمرت الشظايا منزلى تماماً» اصطحب الرجل الأربعينى ابنته وغادر المكان بعد أن أرانا آثار قصف الطائرات، حفرتان كبيرتان أمام باب منزل الرجل عمق الواحدة حوالى 3 أمتار وتظهر من بين الرمال بقايا أخشاب وخراطيم تخرج من بين ركام النفق المتهدم وكأنها تحاول التنفس. تظهر آثار الدمار بشكل واضح فى منطقة الأنفاق عشرات الحفر من آثار الصواريخ مواتير كهربائية متفحمة وبقايا غرف صغيرة من الصاج متهدمة يبدو المكان وكأن حربا قد دارت فى المنطقة. كانت المنطقة شمال بوابة صلاح الدين أكثر تأثراً وتدميراً، كانت تانكات تخزين البنزين والسولار متفحمة تماماً، قال الأهالى وشهود العيان إن بعضها ظل مشتعلاً ليومين كاملين، تعتبر منطقة الأنفاق شمال بوابة صلاح الدين هى المنطقة الأكثر نشاطا فى التهريب عبر الأنفاق حسب الإحصاءات غير الرسمية فإنه يوجد ما يقرب من 750 نفقاً على طول الشريط الحدودى بين مصر وغزة يعمل منها بشكل منتظم حوالى 350 نفقاً فقط، أغلبها يتركز فى المنطقة شمال بوابة صلاح الدين، وهى المنطقة التى يوجد بها الأنفاق الهامة مثل أنفاق البنزين والسولار وأنفاق السيارات وهما نفقان فقط وجار الآن حفر نفق ثالث للسيارات. على مسافة 120 مترا فقط من خط الحدود مع مصر وأمام برج مراقبة لحرس الحدود المصرى كان يقف فية جنديان كان «أبو إبراهيم الباشيتى» يتفقد نفقه ويجرى بعض أعمال الصيانة فيه بعد الأمطار الغزيرة التى انهمرت على رفح. «الحمد لله النفق سليم ونجا من القصف رغم أن نفقين آخرين لجيراننا دمرا تماماً، لكننا لم نصب بأى سوء» كان المكان هادئاً والنفق لا يعمل سألناه عن السبب قال «اليوم الجمعة وهو عطلة رسمية تفرض علينا وقد جئت لأتفقد الوضع بعد الضرب الصاروخى العنيف وهطول الأمطار اليوم ولأعد المكان لأن نعود للعمل غدا فقد توقفنا طوال التسعة الأيام التى دارت فيها الحرب تماماً، إلا من عدد محدود من الأنفاق التى تخرج فتحاتها من داخل المنازل فقط عملت بشكل جيد أثناء الاعتداء، خاصة بعدما استهدفت طائرات العدو أنفاق البنزين والمواد الغذائية بشكل كبير». رغم القصف المكثف لمنطقة الأنفاق فلم تحدث أى إصابات نتيجة القصف «كنا قد استعددنا بشكل كبير لعمليات استهداف الأنفاق وأخليناها تماما». كان المشهد غريبا النفق مغلق بباب حديدى وعليه ثلاثة أقفال كبرى شرح لنا الرجل السبب موضحاً «بناء على التعليمات التى لدينا فإنه ممنوع عبور الأفراد لأنفاقنا، هناك أنفاق مخصصة للأفراد -يبلغ عددها حوالى 12 نفقا- وخوفا من استغلال أى فرد للنفق الخالى أثناء القصف فإننا أغلقناه بهذا الباب الحديدى، وحتى لا يعبث أى فرد فى النفق كما حدث من قبل حيث تعرض النفق لحريق متعمد من أحد الأفراد. يعمل نفق أبوإبراهيم فى تهريب البضائع بصفة عامة ويمر عبر 14 خرطوماً لنقل البنزين والسولار يتقاضى الرجل عن كل واحد منها 1000 دولار شهريا «دخل الأنفاق قل بصورة كبيرة خلال السنتين الأخيرتين كنا فى الماضى نكسب 100 ألف دولار شهريا تقسم بيننا وبين أمين النفق فى الجانب المصرى، لكننا الآن لا نتحصل إلا على خمسة آلاف دولار شهريا بعد دفع الرواتب ومصاريف صيانة النفق يبقى لنا 500 دولار هذا من البضائع، أما المكسب الحقيقى فيكون من إيجار خراطيم البترول» تدخل حسن شريك صاحب النفق فى الحوار قائلاً «من بين 14 خرطوماً تمر عبر النفق لا يعمل حالياً سوى 3 فقط بعدما هاجمت المخابرات المصرية الأنفاق على الجانب الآخر وفرضت حصاراً عليها لمنع وصول السولار والبنزين إلينا حتى أنهم كانوا يصادرون أى سيارة بترول تحاول الوصول إلى الأنفاق». وحول مصير الأنفاق بعد فتح المعابر الحدودية حسب الاتفاق الموقع مع إسرائيل قال الرجل بحسرة «يبدو أنها ستغلق لا أعرف ما هو المصير، الأمور لم تتضح بعد أعتقد أنى قد أضطر لإغلاق النفق إذا لم يحقق أية أرباح وسأبحث أنا وعشرة شركاء لى فى النفق عن عمل آخر ربما أفتتح مشروعاً آخر». سألته بصراحة شديدة: هل كنت تتمنى ألا تفتح المعابر؟ قال: «أكيد هذا عملنا لكن فى النهاية هذه إرادة الحكومة وأعتقد أنه ربما نجد لنا عملا آخر حتى مع فتح المعابر فربما تكون الرسوم الجمركية عالية للغاية ويكون المرور عندنا هنا أقل سعرا، للآن لا أعرف لكن أكيد سنجد صرفة». كانت الأمطار قد توقفت وبدأت الحركة تزداد فى منطقة الأنفاق، جرافات تتحرك هنا وهناك وسيارات تحمل أنقاض الأنفاق، ونجارون يغوصون فى باطن الأرض لبيان حجم التلفيات. حسب مصادر محلية من منطقة الأنفاق -طلبت عدم ذكر أسمائها- فإن ثلثى الأنفاق قد تضررت من جراء القصف ويحتاج العمل فى أغلبها إلى شهر تقريبا فى حين تتراوح تكلفة إصلاح النفق الواحد إلى مبالغ تتراوح من 25 ألفاً إلى 50 ألف دولار حسب حجم الأضرار والتلفيات التى وقعت فى كل نفق. «بدأت حركة الأنفاق تعود للعمل بشكل تدريجى صحيح معظم الأنفاق متضررة لكن هناك أنفاقاً عادت لنشاطها وأهمها أنفاق البترول والأفراد التى شهدت حركة كبيرة حيث حبس البعض هنا فى غزة أثناء الحرب وعاد الكثيرون من الذين احتجزتهم الحرب فى مصر إلى القطاع عبر الأنفاق فى اليومين الماضيين» قال أبومحمد صاحب أحد الأنفاق، وأضاف معبرا عن خوفه من المستقبل بعد فتح المعابر «الأمور للآن غير واضحة ولم تبلغنا الحكومة بأى شىء رسمى فحتى هذه اللحظة ما زلنا نعمل» صمت لحظات ثم أضاف «أكيد فتح المعابر سيؤثر علينا لكننا ننتظر ما سيحدث» ثم قال مازحا «يا ريت ما يفتحوها».