شهود عيان: صاروخ كل ثلاث دقائق وإغلاق جميع الأنفاق .. وأزمة البنزين تعطل إسعاف المصابين معابر وأنفاق مغلقة، طرق متهدمة، آثار دمار فى كل مكان، أطفال تعلو وجوههم التعاسة، نظرات حزن تطالعك ما أن توجه ناظريك إلى أى اتجاه.. تلك هى حالة أهالى رفح المصرية، التى لا يفصلها عن نظيرتها الفلسطينية سوى أمتار قليلة، ما يشير إلى تفاقم الأوضاع فى الجانب الآخر، وهو ما أكده أهالى رفح الذين التقيتهم فى رحلة الوصول إلى غزة، عبر منفذ رفح، وهى المحاولة التى باءت بالفشل فى لحظاتها الأخيرة بسبب إحكام العدو الصهيونى رقابته على الأنفاق، واستهداف أى هدف متحرك يعبر الحدود، كما أعلنت حركة المقاومة الفلسطينية «حماس» إغلاق المعابر، مطالبة بعدم الاقتراب منها لحين هدوء الأوضاع. الطريق إلى رفح المصرية من مدينة العريش لا يستغرق أكثر من نصف ساعة، فالمسافة لا تتعدى 50 كيلو مترا، إلا أن تلك الكيلومترات تفوح منها رائحة الرعب والخوف، خاصة إذا كان القادم غريبًا عن أهلها، فهو باختصار «شخص لا دية له»، فالأهالى هنا ينتابهم الشك والريبة فى أى غريب. أزمة بنزين بدأت رحلتنا فى تمام الساعة الثامنة والنصف صباحا، استغرق الطريق أكثر من ساعتين، نظرا للأزمة الطاحنة فى البنزين، التى ضربت محافظة شمال سيناء بأكملها، مئات السيارات تصطف أمام محطات البنزين المفتوحة، لمدة أكثر من 6 ساعات، ولم يشفع لسيارات الإسعاف التى حضرت من نويبع لنقل المصابين الفلسطينيين مهمتها الإنسانية، حيث انتظرت أكثر من 6 ساعات أمام محطة بنزين «الريسة»، واتهم السائقون أصحاب محطات البنزين بالمتاجرة فى البنزين فى السوق السوداء، فيحصلون على حصتهم بالاتفاق مع أصحاب البنزينة، ما تسبب فى اندلاع العديد من المشاجرات على أسبقية التزود بالبنزين. يقول عبدالفتاح على السيد أحمد، سائق إحدى سيارات الإسعاف المتوقفة فى بنزينة الريسة: جئت من طريق نويبع للتزود بالبنزين، حتى أكمل مهمتى فى نقل المصابين من رفح، نمت فى الشارع حتى أحصل على البنزين، وأشعر بذنب شديد لتأخرى على المصابين، فما ذنبهم فى أزمة البنزين التى نعانيها، فى أى بنزينة كنت أحصل على حاجتى من البنزين دون انتظار للدور، لكن «محطة الريسة» ترفض ذلك، وتطالب الجميع بالالتزام بالدور، وهو ما فشل أيضًا، فلساعات طويلة دون إذن؛ ولكن هنا يصر أصحاب البنزينة أن آخذ دورى مثل الأهالى، لكنى أتعجب من طول فترة الانتظار بلا جدوى فقد طال الانتظار لأكثر من 6 ساعات. الطريق إلى رفح لا يمكن للغريب أن يسير وحيدا بلا دليل فى شمال سيناء، خاصة مدينة رفح، التى بدت وكأنها مدينة أشباح، فالشك والريبة يبدوان على الصغار قبل الكبار وإطلاق الأهالى النيران على الغريب من أسهل ما يكون، فأول اتهام للغريب أن يكون عميلا أمنيا أو جاسوسا إسرائيليا، والقاعدة الحاكمة «ممنوع الاقتراب أو التصوير»، فحتى قسم رفح المحترق تحاصره قوات الجيش؛ لاستكمال منع العناصر الجهادية.. الغياب الأمنى يسيطر على المدينة فلا تواجد للشرطة، اللهم إلا دوريات غير منظمة للجيش، ويؤكد الأهالى أن هذا الغياب الأمنى يفتح الأبواب أمام المزيد من العمليات المسلحة فى سيناء، خاصة رفح، التى خفت بها الحركة فأصبحت أشبه ما تكون بمدينة بلا سكان أو «مدينة أشباح». «هرب أى حاجة إلا الزلط».. «الزلط = حياة صحية».. نداءات وصرخات كتبها المواطنون على بداية مدخل لأنفاق الزلط ومخازنه المهربة إلى غزة، فسر ذلك محمود الأخرسى، الناشط السياسى، قائلا: هذه توعية قام بها بعض الأهالى نظرا لإصابة أكثر من 600 طفل بالربو حسب الإحصاءات التى حصلنا عليها من وزارة الصحة، نتيجة عملهم وتجارة آبائهم فى الزلط، حيث تأتى سيارات «الكسّارة» من الجبل وتخزن فى مخازن قريبة من البيوت. إغلاق الأنفاق على بعد مئات الأمتار، وفى منطقة الجندى المجهول، حاولنا الوصول إلى قطاع غزة، لكننا فشلنا فى ذلك، حتى توصلنا إلى أحد الأهالى يستطيع قيادتنا إلى داخل القطاع، إلا أنه أكد صعوبة العبور فى الوقت الحالى لصدور تعليمات بإغلاق جميع الأنفاق تحسبا لأى هجمات إسرائيلية، قائلا: «من يقترب من الأنفاق الآن يتحمل مسئولية نفسه، الطيران الإسرائيلى لن يتردد فى قذف أى هدف متحرك». وأكد «دليلنا» أن الفترة الأخيرة شهدت عمليات استهداف الأنفاق، من قبل الجانبين المصرى والإسرائيلى؛ عن طريق التفجير والحقن بالمياه، حتى وصلت الأنفاق العاملة الآن إلى 300 نفق تقريبا، وبعد الهجوم الإرهابى على النقطة العسكرية فى رفح برمضان الماضى التى أودت بحياة 16 ضابطا وجنديا، تم الاتفاق بين مصر و«حماس» لإغلاق الأنفاق من الجانبين؛ بدأت الأنفاق تعمل بإشراف السلطات المصرية، وخصصت ساعات معينة لنقل المواد الغذائية، ووقف العمل لعبور الأفراد، وهى العمليات التى تسببت فى تصدع مئات المنازل المجاورة للأنفاق، ووفاة العشرات من الأهالى كان آخرهم الطفلة سمر وائل الشاعر، التى لم تتجاوز العامين من عمرها، عقب سقوطها فى نفق كانت تمر أعلاه. معبر رفع «تجنبوا الاقتراب من عناصر «حماس»، ومراكزها، ومن المنظمات الإرهابية التى ستعرض حياتكم للخطر.. «حماس» ومرة أخرى تقود المنطقة إلى تصعيد عسكرى، وسفك للدماء.. إسرائيل عازمة على حماية مواطنيها كلما تطلب الأمر.. إن هذا البيان سارى المفعول لحين عودة الهدوء إلى المنطقة».. هذا نص بيان لسكان قطاع غزة بإمضاء قيادة جيش الدفاع الإسرائيلى، حمله العديد من الأفراد القادمين من معبر رفح، ورغم أن الأعداد اليومية للقادمين من فلسطين لم تتغير، حسب تأكيد الجهات الأمنية، تنفست الأسر الداخلة مصر الصعداء بوصولهم سالمين. صاروخ كل ثلاث دقائق يقول هيثم محمد: ما شاهدناه لا تقوى الكلمات على وصفه، إنها أهوال لا يتخيلها عقل، ويضيف: «أنا فلسطينى متزوج من مصرية، وأحمل أنا وهى الجنسية السويدية، اصطحبت ابنتى ذات الخمسة أعوام لقضاء العطلة مع أهلى والاطمئنان عليهم، ولأول مرة أفشل فى تهدئة طفلتى المذعورة من هول ما شاهدت، من أصوات الرصاص الذى حاصرنا من كل اتجاه، فلم يغمض لها جفن ولو لدقيقة حتى الآن». ويوضح «عند وصولنا إلى منزلنا بشمال غزة، بدأ حادث الاغتيال والقصف بكل أنواع الطائرت والصواريخ، مثل الأباتشى وال« إف - 16»، وبدأ مسلسل سقوط الجثث، بينهم أطفال أعمارهم 9 أشهر و11 شهرا، وطفلة عمرها 3 سنوات، وتفحم أحد الأطفال يبلغ من العمر 11 شهرا. وانتقد عمليات القصف العشوائى للقطاع مع تعمدهم انقطاع الكهرباء، مشيرا إلى أن إسرائيل تقوم بإطلاق صاروخ كل ثلاث دقائق على القطاع، خاصة فى المناطق الحدودية مثل شمال غزة وبيت لاقيا وبيت حنون، وهى المناطق التى يسكنها مدنيون. مسجونون فى بيوتنا يلتقط سالم. م، أطراف الحديث قائلا: نحن جميعا فى غزة حبيسو البيوت، لأن الإسرائيليين الغزاة يتعاملون مع أى هدف متحرك، ويقومون بتصفيته، إلا أننا رغم ذلك معنوياتنا مرتفعة بشدة، لأن مقاومتنا أسقطت أكثر من ثلاثة قتلى إسرائيليين، وهو ما يعتبر نصرا عظيما، خصوصا أن صواريخ الفصائل وصلت إلى تل أبيب، لذا تتوعد إسرائيل فى محطات الراديو بالتصعيد والاجتياح البرى، ولكن الدليل على ضعف موقفهم طالبوا مصر بالتدخل من أجل التهدئة. بسرعة وعجلة ردت سليمة على سؤالنا عن سلامتها وأسرتها وعن الأوضاع فى غزة قائلة: «الوضع مفزع والأطفال لم يناموا، مازالوا خائفين حتى الآن بسبب دوى الانفجارات والقذائف». وأضاف زوجها سالم: نقصد العريش، حيث أهل زوجتى المصرية، فهى لا ذنب لها ولا للأطفال فى تلك الحرب، لذا حرصت على سلامتهم، لكنى أؤكد أن الفلسطينيين القاصدين المعبر غالبيتهم مضطرون لمغادرة البلاد، لأسباب ضرورية مثل العمل أو الدراسة. يؤكد حديثه أحمد مفيد، طالب بالجامعة الأمريكية، قائلا: إنه قصد القاهرة مع أصدقائه من أجل إتمام الامتحانات، ورغم صعوبة الوضع فى غزة فإننا صامدون رغم خوف الأطفال، ورغم قرب نفاد المواد الغذائية، وانقطاع الكهرباء عن منازلنا، فنحن نستخدم حاليا مولدات الكهرباء. 50 دولارا اختتمت «الصباح» جولتها فى معبر رفح بصفقة لدخول غزة وسط هذه الأحداث الساخنة مقابل 50 دولارا فقط «300 جنيه» بدلاً من 700 جنيه بعد جدال طويل مع أحد عمال الأنفاق، الذى وافق على إدخالنا قطاع غزة عبر الأنفاق، قائلا: «أنفاقى تعمل حتى الآن، ومؤمنة، فطولها 120 مترا فقط، وتستخدم لنقل البضائع والأسمنت، ويمر العابرون منها على ظهر حصان أو سيرا على الأقدام»، أكد الشاب الذى يقترب من الثلاثين من عمره أنه يستخدم «أنفاقه» فى نقل كل شىء عبر النفق بما فيها المخدرات، التى قال إن أرباحه فيها ممتازة ف «10 كارتونات ترامادول يجنى منها أرباحا تتراوح بين 500 : 1000 جنيه»، ويصل دخله الشهرى إلى 15 ألف جنيه، لاستغلال الأنفاق فى إدخال الحديد والأسمنت والألومنيوم والطوب للقطاع، واختتم قوله «بأن أحدا لا يستطيع الاقتراب من أنفاقه، وإلا ترك له علامة فى وجهه، أو أطلق عليه طلقا ناريا أرداه قتيلاً- حسب تعبيره».