«عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية».. كلمات كتبها برشاقة الدكتور سامر سليمان الشاب المصرى المناضل على ورقة صغيرة انتقلت بين أيدى رفاقه فى ميدان التحرير لتتحول إلى شعار الجموع الحاشدة، فى الميادين والقرى والنجوع، ثم تقفز لتصبح شعار الثورة، التى بدأت إرهاصاتها فى 25 يناير 2011 بامتداد 18 يوماً بلا توقف تنتهى برحيل مبارك غير مأسوف عليه. يبقى الشعار ويرحل صاحبه عن عالمنا، ويخلُد الثوار إلى نوم عميق بعد نشوة انتصار مباغتة، بعد أن انتقلت احتجاجات متباينة جمعها الغضب إلى ثورة أطاحت بنظام كان ينتظر لحظة إعلان سقوطه، ليصحو الشارع على عواصف المتربصين بالثورة، وتختطف الثورة من التنظيمات الظلامية، حتى قمة السلطة، وتلوح فى الأفق سيناريوهات التفكيك والانتقال بمصر من الدولة إلى ولاية فى أمة، فتأتى ثورة 30 يونيو 2013 تسعى لاسترداد الوطن، لا تحمل شعارات بل خريطة طريق محددة، فتخرج عن نسق تكرر بامتداد تاريخنا المعاصر كان يحرص على أن يكون لكل مرحلة شعارها دون أن يتحول إلى خطوات على الأرض تترجمه وتفعله. كانت خارطة الطريق تحمل مراحل ثلاثاً متتابعة؛ تعديل الدستور وانتخاب رئيس وانتخاب برلمان، يتبنى ثلاثتهم ترجمة شعار ثورة 25 يناير الرباعى.. ننتهى من الاستحقاقين الأول والثانى، ونصل إلى الاستحقاق الثالث (البرلمان)، الذى بتحقيقه ننتقل من الثورة إلى الدولة، ونضع نقطة فى نهاية سطر امتد لعقود عبر أنظمة فاشية تغيرت أقنعتها وأدواتها، وصلت إلى ذروتها مع نظام الإخوان، لنبدأ سطراً جديداً فى دفتر الوطن. كان طابور جرحى الثورة يمتد ليضم كل منتسبى الأنظمة الغاربة يدعمهم لوبى إقليمى ودولى يرى فى «30 يونيو» عائقاً أمام تحقيق خريطته المستهدفة للمنطقة، بينما كانت الثورة تسير قدماً فى استكمال خريطتها، فكان أن تحالف كل عناصر المناوئين لها، ليتفقوا معاً على إسقاطها بكل السبل، فلم ينقطع الإرهاب يوماً، ولم تتوقف حملات التشكيك وتوظيف آليات التأثير على الرأى العام، والإعلام أبرزها، خاصة أن القيادة السياسية تواصل العمل الجاد على الأرض، وتعالج الانقطاعات مع امتدادها الإقليمى والأفريقى، وتشرع فى مد شبكة طرق رئيسية تخدم منظومة الإنتاج، وتجمع المصريين حول مشروع قومى حقيقى وتنجزه فى وقت قياسى، مشروع قناة السويس الجديدة، بما ينعكس إيجاباً على مورد سيادى من موارد الدولة، وتقتحم قضية الدعم بعلاجات واقعية، كانت منظومة الخبز أحد أبرز إنجازاتها، وتعيد صياغة حدود المحافظات لتضم ظهيراً صحراوياً يحمل حلولاً للتكدس والتوسع الصناعى والسياحى ومن ثم البطالة. لم يستطع شعار «معاً لإسقاط الثورة» أن يخترق جدار التكاتف الوطنى، أو يوقف استكمال استحقاقات خارطة الطريق وقد اقتربنا من تشكيل مجلس النواب، فكانت معركتهم الأخيرة بحرب التشكيك وإطلاق الشائعات، فى استخدام مكثف لآليات التواصل وتقنيات الإعلام المتطورة، فى رهان على غياب المعلومات، والبناء على التجريف الذى نال الذهنية العامة، التى خربها الاختطاف الطائفى وعمقتها اختلالات سياسات الأنظمة الفاشية الغاربة وتحالفاتها مع تيارات الإظلام الراديكالية، لذلك علينا أن ننتبه إلى كل ما يشاع عن الصراع بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ومجلسها المقبل، وما يشاع عن تعديل الدستور لتحجيم البرلمان لحساب الرئيس، فى استغلال لما أنتجه تأميم الشارع السياسى قبل عقود، وغياب الأحزاب الحقيقية التى تعبر عن أثقال الشارع السياسى، وعدم قدرة الإعلام خاصة المرئى منه على ترجمة منهج 30 يونيو، وربما بفعل اختراقه من كوادر تفتقر للمهنية والرؤية، إضافة إلى الخلايا النائمة من مشايعى الأنظمة الغاربة، وظنى أن تثوير الإعلام وإعادة هيكلته أمر ملح لقطع خطوط الإمداد عن الساعين لإسقاط الثورة، تأسيساً على أن ميدان المعركة هو الفكر والمعرفة، وأدواته تنطلق من «الميديا»، وتقنيات التواصل والفضاء الإلكترونى.