سيظل الشباب أمل الأمة وضمانة انطلاقها إلى آفاق التقدم، حقيقة يؤكدها التاريخ ولا تختلف عليها الجغرافيا، هم نقطة التلاقى بين الماضى والمستقبل بقدرتهم على تجاوز إخفاقات الأجيال القديمة، بما يملكون من طاقات وطموحات وغضب من رتابة تعاطى الآباء للَّحظة، ويزداد الأمر توتراً والكون ينتقل من تداعيات ثورة الصناعة وصراعات عناصر الإنتاج وما ولدته من مؤسسات ونظريات تحاول أن تقدم حلولاً أيديولوجية متناقضة بين يسار ويمين، لتصك مصطلحات صارت لصيقة بها بين مصالح الطبقة العاملة وحرية السوق وصراعات الثروة والسلطة، ثم الانتقال إلى ثورة المعرفة وقفزات تقنيات الاتصالات، لتبدأ دورة مصطلحات جديدة تجاوزت التقسيمات العتيقة، وفيها تتبنى دول مغرقة فى يساريتها حلولاً رأسمالية وتبتكر تزاوجاً خارج رحم الموروث التقليدى، بينما على الشاطئ الآخر من النهر وعلى ضفاف المعسكر الرأسمالى تزاحم القوى اليمينية قوى جديدة تدعو لإعطاء الدولة أدواراً تدخلية بالمخالفة لكتالوجات الآباء المؤسسين. ولم تعد الديمقراطية الليبرالية هى سيدة الموقف، وقد شاخت وقصرت عن تقديم حلول طالما نظر إليها على أنها المدخل لمجتمع الرفاه، فى تبنيها لقيم السوق وثقتها فى أنه يملك التنظيم الذاتى للعلاقات داخله، وترفض المساس بحرية امتلاك وسائل الإنتاج، لتطل علينا وبقوة الديمقراطية الاجتماعية، التى لا تطلب الديمقراطية لذاتها بل توظفها نحو تحقيق الترابط بين الأمن الاجتماعى والتوزيع العادل لفرص العيش والمشاركة المجتمعية فى العملية الديمقراطية. ومن اللافت أن الشباب المصرى صك شعار خروجه الهادر فى 25 يناير ليترجم أركان الديمقراطية الاجتماعية الذى صاغه بعيداً عن الأضواء على أرض ميدان التحرير دون أن يتاجر. المفارقة أنه بعد أن اختُطفت الثورة بواسطة القوى الظلامية وتحالفاتها مع القوى التقليدية المتربصة فى الدوائر الثلاث المحلية والإقليمية والدولية، وبعد أن ينتفض الشعب بكل فصائله وأجياله فى 30 يونيو، ليسترد ثورته ويوقف زحفاً يهدد ليس حقوقه فقط بل وجوده أيضاً - إذا بروح انهزامية تحاول أن تجد مكاناً بين صفوف بعض من شبابنا، وإذا بهم يبلعون طعماً أُعد بحنكة لا ينقصها الخبث من قبل القوى الغاربة والمهزومة، يرفع شعارات عقود خلت تكاد تقترب من الشعار الذى خلده نجيب محفوظ فى ثلاثيته «الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، ويروجون ترويعاً لعودة الدولة العميقة، ذلك المصطلح الملتبس والغائم، ويبثون فرية «حكم العسكر» فى وجه جيش وطنى قوامه شباب الوطن ورجاله، ثم ينتهون إلى الدعوة لمقاطعة انتخابات الرئاسة، حتى يتحقق لهم سعيهم لعودة مستحيلة يحشدون لها أعمالهم الإرهابية وتفجيراتهم الجبانة، لوقف استكمال استحقاقات خريطة المستقبل. الدعوة للمقاطعة قد تدغدغ خيالات بعض الشباب فى لحظة اهتزاز حلمهم، ربما بسبب استطالة المرحلة الانتقالية ومعوقات أداءات بيروقراطية لم ترقَ لوضعية الثورة، وضغوطات قوى دولية تجعل الحكومة تفتقر للثبات والجسارة، وأحزاب منبتَّة الصلة بآليات الثورة فى حراكها، وربما إعلام يفتقر للمهنية والرؤية. على شبابنا أن يدرك أن التعاطى مع لحظة استثنائية بأدوات المراحل الطبيعية كارثة سيدفعون ثمنها على مدى سنوات العمر المقبلة، فلا تدعوا المتربصين يسرقونها مجدداً.