تحدثنا سابقاً عن معاناة ستيف جوبز، مؤسس آبل، وكيف أنه ترك الجامعة مبكراً مكتفياً بمجموعة مواد جامعية اختارها، بالإضافة إلى دراسة مقتضبة للهندسة الإلكترونية عندما سافر للهند التى زارها لأسباب عقائدية أثناء عمله لفترة فى شركة «أتارى» عملاق الفيديو جيم. اليوم نبدأ أولى حلقات قصته مع شركة آبل، تلك القصة التى امتدت لخمسة وثلاثين عاماً، لكن لضيق المساحة فإننى أستميح القارئ الكريم عذراً فى أن أروى تلك القصة الطويلة على غير التسلسل الزمنى، مع وعد بأن أربط الأحداث ببعضها بالشكل الذى يوضح دائماً تسلسلها، لأن الهدف ليس مجرد سرد قصة للتسلية، وإنما الهدف الأساسى هو أن نتعلم من سير الآخرين.فى 24 أغسطس 2011 (قبل وفاة ستيف بحوالى سبعة أسابيع) قدم «جوبز» استقالته كرئيس تنفيذى لمجلس إدارة شركة آبل. وكتب فى استقالته: «دائماً كنت أقول لكم إنه إذا أتى اليوم الذى سأجد نفسى فيه غير قادر على القيام بأعباء وظيفتى أو تحقيق التوقعات المأمولة منى، فإنى سأكون أول من سيقول ذلك، وللأسف هذا اليوم قد أتى» وكان يقصد أن صحته تمنعه من الاستمرار. يومها اختار مجلس الإدارة تيم كوك ليخلف ستيف حتى اليوم (الكثير من الناس تخلط بين الهوية الجنسية لستيف جوبز وتيم كوك).لكن تلك الاستقالة لم تكن الأولى للرجل من إدارة آبل. ففى سبتمبر 1985 وهو فى سن الثلاثين، أجبر ستيف على الاستقالة من منصبه كرئيس لمجلس إدارة آبل، وبمعنى آخر يصفه هو، طُرد من إدارتها. كيف تكون مُؤسساً لشركة توصلها لهذه الحجم من النجاح، ثم تطرد؟!! كانت هذه أصعب لحظات حياة ستيف فى شركته التى حولها فى تسع سنوات فقط من شركة تعمل من جراج منزل والديه ويعمل بها فقط شخصان (هو وشريكه ستيف ووزنياك) برأسمال قدره ألف دولار إلى شركة تُقدر قيمتها السوقية بأكثر من اثنين مليار دولار (بأسعار منتصف الثمانينات)، ويعمل بها أكثر من 4600 موظف. حدث ذلك بعد طرح جهاز آبل ماكنتوش الذى توقع له الكثيرون (منهم بيل جيتس، رئيس ومؤسس ميكروسوفت نجاحاً عظيماً بالأسواق)، بعد جهاز آبل-2 الذى طُرح فى 1978، وحقق فى السنوات التالية مبيعات غير مسبوقة بسبب برنامج الجداول الممتدة (VISICALC spreadsheets) والذى صمم خصيصاً للجهاز. كتب جوبز فى هذه الاستقالة جملة تصف حالته النفسية مما حدث: «أنا حزين ومصدوم من سلوك إدارة الشركة معى!». ما يهمنا أن نعرفه الآن أن هذه الأزمة شكلت لاحقاً نقطة تحول رائعة ليس لستيف وحده، وإنما للعالم كله. لماذا حدث هذا الصراع فى آبل وكيف تصرف «ستيف».. هذا ما سنعرفه لاحقاً بإذن الله.