"يا إسرائيلي.. يا يهودي.. أنت يا عم الجاسوس" هكذا ينادي أصدقاء طلاب اللغة العبرية أصدقاءهم الدارسين للغة العدو الأول القابع على الحدود، المسميات التي كانت دائمًا سببًا لمضايقات كثيرة للدارسين، وفقًا لما قاله محمود الشرقاوي أحد دارسي اللغة العبرية في الجامعات المصرية، والذي أضاف خلال حديثه ل"الوطن"، أن هذا ليس الشيء الوحيد الذي عانى منه طالب اللغة العبرية في مصر، بل عانى الكثير من المشكلات بدءًا من يوم دخوله الجامعة، وصولًا إلى عدم تعيينه للعمل في مجاله حتى تستفيد الدولة من علمه ولغته. يقول الشرقاوي: "لقد عانينا الكثير والكثير في هذا القسم، فلقد أصبحنا إسرائيليين، وصهاينة بمجرد دخولنا القسم، ولم يقف الوضع عند هذا الحد، بل بعد دخولنا الجامعة، حيث تمتعت أقسام عدة بالعديد من المميزات خلافنا، وكانت معاملتنا في الجامعة مهينة، حيث كان الركن الذي درسنا فيه الأربع سنوات يسمى ب(عشة اليهود)، وهو بالفعل يشبه العشة". سور متهالك مكمل بالألوميتال الأبيض على طول القاعة.. وكراسٍ متهالكة لا تصلح أن تكون حتى على "قهوة بلدي" حتى تستخدم آدميًا ويجلس عليها طالب جامعي يدرس كيان العدو ولغته، هكذا وصف الشرقاوي قاعة التدريس في قسم العبري، والذي كان يحتوي على 60 طالبًا "على الورق فقط"، لأن عشرة طلاب فقط من كانوا يحضرون المحاضرات، والذين كانوا يذهبون في الصباح الباكر حتى يجدوا "كرسيًا" صالحًا للاستخدام الآدمي، خاليًا من المسامير وليس مكسورًا حتى يذهب الطالب إلى بيته ملابسه سليمة من المسامير، ونظيفة لعدم وقوعه على الأرض، مضيفًا الشرقاوي "هكذا كانت عشة اليهود". "من منا يعمل في مجاله".. يتناول دارس العبرية معاناته بعد التخرج في محاولاته للعمل بمجاله الذي درسه طوال أربع سنوات انتهت بفشله واللجوء للسفر إلى دولة الإمارات للعمل خارج مجاله، وكأنه لم يدخل التعليم الجامعي، مكتفيًا بخبراته التي اكتسبها وتعلمها بعد التخرج، مضيفًا "حتى إذا كان هناك وظائف خالية للعمل بها، فنحن لم نرتقِ بعد للعمل كمتخصصين، لأن كل المعلومات التي نعرفها ما هي إلا معلومات من الممكن أن يعرفها المثقفون بسبب أسلوب التدريس". وتابع الشرقاوي قائلاً: "في السنة النهائية للتخرج قامت الثورة وعلت أصواتنا، وطالبنا بتغيير مكان التدريس، حتى سمع أخيرًا عميد الكلية مطالبنا لينقلنا في عشة أنظف من القديمة، جدرانها من كراتين البيض، وتخرجنا منها، والحمد لله لم نعمل في هذا المجال بعد كل هذا العناء".ويسرد أحمد طه، أحد دارسي اللغة العبرية، معاناة دامت 4 سنوات، فبدأت معاناته حين اختار دراسة العبرية لأنه أحبّها :"شعرت أنني سأفيد المجتمع، حيث إن اللغة العبرية نادرة وطلابها قلة في مصر" ولكن تحطمت أمواج أحلامه على صخرة "الإهمال الذي يعانيه القسم". ويقول طه "على مدار أربع سنوات دراسة، لم أدخل معملًا صوتيًا لتعليم اللغة، فافتقدت فرصة اكتساب اللغة، أما عن مشكلة العدد فلا أخفيكم سرًا أنه كان كبيرًا بدرجة مهولة باختلاف الأقسام الأخرى، فقسم اللغات الشرقية وتحديدًا العبري هو أقل ما يلاقي اهتمامًا في الكلية"، مشيرًا إلى أن قصور إمكانيات القسم مع قلة الخبرة المكتسبة مجتمعة مع إجبار الطلاب على دراسة اللغة، أدى إلى قصور في مستوى الطلاب بشكل عام، خاصة أن التنسيق يلعب دورًا مهمًا في تخصصهم، وتابع: "كنت أتوقع أن أعمل بوظيفة مرموقة أو مجال الإذاعة، ولكن بعد تخرجي من القسم، ولكني لم أكتسب منه ما يؤهلني لأكون في هذه المكانة، فعملت بمجال ليس مجالي، ولكن كل ما استفدته من دراستي للعبرية، هو تعمقي في مجال السياسة، فأصبحت أعتمد على خبراتي التي اكتسبتها بالاجتهاد الذاتي للبحث عن مصدر خبرٍ ما في صحيفة إسرائيلية، وما إلى ذلك". المجموع والتنسيق لعبا الدور الأساسي في ألتحاق "ن ف" بكلية الآداب قسم لغات شرقية، فاختارت التخصص في اللغة العبرية، لشعورها بأنه سيوفر لها مجال عمل جيد بعد التخرج، ومثلها مثل غيرها من ضحايا قسم اللغات الشرقية، فبعد التحاقها بالقسم، شعرت بأن مستوى دراستها مخيبًا للآمال. فتروي "ن ف" مأساتها مع القسم "لا يوجد من يساعدك على تحقيق أحلامك، الإمكانيات محدودة، ولكن بإمكان الإدارة القيام بأكثر من ذلك المجهود، كنت أتمنى أن أدرس ما قد يؤهلني للعمل في مجال دراستي، ولكن بعد ما درست، استبعد تمامًا عملي في مجالي، وعلى سبيل المثال فإن فرصة العمل في مجال الإرشاد مستبعدة، حيث أن الإسرائيليين يتحدثون العربية بطلاقة، وإن وجدت فرصة فإنني لم أدرس ما قد يؤهلني للعمل بكفاءة". وتتابع "أنا في السنة الرابعة، ولا استطيع التفرقة بين اللهجات العبرية، بسبب عدم دخولي معمل الصوتيات على مدار الثلاث سنوات السابقة حتى ولو مرة، فطالما تمنيت العمل في وزارة الخارجية، ولكن لا أظن أن الكلية أهلتني لمثل هذه الوظيفة، فلم تكسبني دراستي إلا معرفة المجتمع الإسرائيلي وفهم مدى عنصريته، ولم تزدني هذه المعرفة إلا كرهًا فيه". "ع أ" كان هدفه دخول قسم الإيطالي، لكن مجموع الثانوية العامة لم يساعده على ذلك، فيقول: "اللغة العبرية جذبت انتباهي، فاهتممت بدراستها، ولكني أدرسها ليس بهدف العمل بها بعد التخرج، لكن بهدف معرفة الفكر الإسرائيلي". الطالب بالفرقة الرابعة لم يفكر لوهلة العمل بشهادته بعد التخرج، فيتابع "أنا لا أدرس العبرية بالقدر الذي يجعلني قوي في هذا المجال، لكني أحاول قدر الإمكان الإجتهاد الذاتي لمعرفة العبرية، ومثلي كمثل باقي الطلاب فبدون المعامل الصوتية، فلا يتحدث الطالب العبرية إلا بالاجتهاد الذاتي وليس بتعاليم القسم، فمثلا وسط كل 150 طالب، تجد 5 طلاب يتحدثون العبرية بطلاقة، ولكن الفضل لاجتهادهم الذاتي.