منذ أن عرف الإنسان الزراعة كان الفلاح يحتفظ ب«البذار» أو التقاوى لاستخدامها فى موسم الزراعة التالى، وكان ذلك جزءاً من الدورة الزراعية الطبيعية. لكن هذه الدورة تعرضت للتغيير أو الانقلاب نتيجة استخدام التكنولوجيا فى إنتاج البذور. لقد أصبح من المستحيل على كثير من المزارعين فى العالم إعادة استخدام البذور التى خرجت من محاصيلهم.. فهذه البذور أصبحت عقيمة لا تنبت! وإن أنبتت فستعطى نباتات مغايرة للأصل.. وبالطبع فإن سبب التوسع فى استخدام هذه التقنية هو إجبار المزارعين على شراء بذور جديدة كل عام، حتى وإن تم عرض الأمر بشكل آخر مثل قدرة هذه البذور على إنتاج محصول أوفر أو مقاومة الآفات أو تحمل الظروف المناخية. هناك 4 شركات تحتكر إنتاج هذه البذور، واحدة منها تحتكر إنتاج نحو 70% أو أكثر منها، وبالتالى فهى تتحكم فى أسعارها. فإذا علمنا أن نصف مزارعى العالم فقراء يعجزون عن شراء تلك البذور، وهؤلاء ينتجون 15-20% من غذاء العالم، أى أنهم ينتجون طعام 1.5 مليار من البشر، فلنا أن نتخيل حجم المجاعة التى يمكن أن تصيب العالم إذا عجز هؤلاء عن شراء البذور العقيمة وتركوا أرضهم للبوار. يرى بعض الباحثين أن «تكنولوجيا التعقيم والإنهاء»، المستخدمة فى البذور تمثل أكبر تهديد للبشرية، إذا ما تم استخدامها على نطاق واسع، وهو ما يحدث بالفعل. كما يعرب بعض الخبراء عن قلقهم من انتقال صفات تلك البذور إلى الحقول التى لا تستخدم الهندسة الوراثية، وذلك عن طريق حبوب اللقاح التى يحملها الهواء وينتقل معها العقم.. عندها يمكن أن تحدث كوارث زراعية أقلها نقص المحاصيل والإخلال بالأمن الغذائى ومن ثم المجاعة. ويحذر آخرون من أنَّ تناول الطعام المهجّن وراثيّاً يؤثّر فى جينات الإنسان ويضعف مناعته، وقد أجريت تجربة على الفئران حيث تم إطعامها أغذية مهجنة وراثيّا، فلوحظ حدوث تغيّر فى بنية الحمض النووى الخاص بالفئران وأصبحت الأجيال التالية ضعيفة ومريضة.. وهذا ما يحدث مع البشر، وليراجع كل منا التاريخ الصحى لعائلته ليكتشف الفرق. هل لمصر علاقة بما سبق؟ بالتأكيد، فقد توسعت مصر فى شراء البذور العقيمة فى العشرينية الماضية، وبالطبع أصبح الفلاحون مجبرين على شراء البذور المستوردة كل عام. بعد الثورة تزايد الحديث عن إمكانية تحقيق مصر الاكتفاء الذاتى من القمح، ولكن كيف نطمئن إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى إذا كنا مجبرين على استيراد البذور؟ ماذا يمكننا أن نزرع إذا مُنع عنا استيراد البذور؟ سألت بعض المختصين وعرفت أن مصر بدأت هذا الموسم إنتاج أصناف جديدة من البذور، مثل بذور القمح من أصناف مصر(1) و(2)، وسدس (6) و(12) وجيزة (168)، وهذه لم يجربها المزارعون بعد، لكن قيل لهم إنها صالحة للاستنبات مرة أخرى.. وهذه بشارة سارة تشير إلى بدء إزالة آثار الحرب الزراعية التى أعلنها على الشعب المصرى وزير الزراعة الأسبق يوسف والى.