فى كل بلاد العالم يوجد يوم يحتفل فيه الأبناء بعيد الأب مثلما يحتفلون بعيد الأم، فيما عدا مصر والمنطقة العربية، ولا أدرى لماذا نسى الصحفيان الكبيران مصطفى وعلى أمين الأب فى جملة الأعياد التى مصّروها ونقلوها عن الأمريكان وأشهرها عيد الأم وعيد الحب وغيرهما، ففى الولاياتالمتحدة يحتفلون بعيد الأم فى 9 مايو، وبعيد الأب فى الأحد الثالث من شهر يونيو من كل عام والذى وافق 21 يونيو -أى الأحد الماضى- دون أن يشير أحد بكلمة إلى هذا العيد ولا إلى محاولة نقله وتمصيره والاحتفال به فى يوم خاص بنا، وقد كتب صديقى الكاتب الصحفى والشاعر عصام الغازى على صفحته على الفيس بوك يقول: تصوروا.. إمبارح كان عيد الأب! ما حدش قال لنا أى حاجة، كم أب أولاده اتصلوا بيه على التليفون وقالوا له: كل سنة وإنت طيب يا بابا؟ يا جماعة الأمهات تكسب! والحقيقة يا صديقى العزيز لا الأمهات ولا الآباء يكسبون فى هذا الزمن الردىء، الذى يضرب فيه الابن أمه، ويطردها من شقتها من أجل زوجته، أو عندما يمرض الأب ولا يستطيع أن يخدم نفسه فيتخلص منه الأبناء مثل الكرة، حتى ينتهى به الحال فى أحد دور المسنين وحيداً ذليلاً مكسوراً، وحتى فى هذا العيد المقترح لن يزوره أحد منهم. أما بالنسبة لما يناله عيد الأم من حفاوة وتكريم، فهو فى النهاية على حساب الأب المسكين، الذى أصبح فى النهاية عبارة عن ماكينة نقود ATM تخرج لهم جميعاً الكاش دون حتى كلمة شكر أو امتنان، ولقد سبق أن شرح فضيلة الشيخ الشعراوى من قبل أن أفضلية الأم عن الأب فى الحديث الشريف: «أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك»، ليست تفضيلاً للأم من حيث البر عن الأب، ولكن لأن الأم قد تكون أكثر احتياجاً لابنها أو ابنتها من الناحية العاطفية والمادية والبدنية من الوالد، وهناك حديث آخر: «أنت ومالك لأبيك»، وهناك كبيرتان يعجل لصاحبهما العذاب فى الدنيا دون انتظار لعذاب الآخرة وهما: البغى أى الظلم، وعقوق الوالدين: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً» الإسراء (23). وكما يشير فضيلة الإمام الشعراوى، رحمه الله، فى تفسير هذه الآية: لقد قرن الله تعالى بين عبادته وبين الإحسان إلى الوالدين فى آيات كثيرة، قال تعالى: «واعبدوا الله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وبالوالدين إِحْسَاناً» «النساء: 36»، وقال: «قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وبالوالدين إِحْسَاناً»، «الأنعام: 151»، وقال: «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً» «العنكبوت: 8». والحق سبحانه وتعالى حينما يوصينا بالوالدين، مرة تأتى الوصية على إطلاقها، كما قال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً» «الأحقاف: 14»، ومرّة يُعلِّل لهذه الوصية، فيقول: «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ» «لقمان: 14». والذى يتأمل الآيتين السابقتين يجد أن الحق سبحانه ذكر العِلّة فى بِرِّ الوالدين، والحيثيات التى استوجبت هذا البِرّ، لكنها خاصة بالأم، ولم تتحدث أبداً عن فضل الأب، فقال: «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ» «لقمان: 14». فأين دَوْر الأب؟ وأين مجهوداته طوال سنين تربية الأبناء؟ المتتبع لآيات بر الوالدين يجد حيثية مُجْملة ذكرت دور الأب والأم معاً فى قوله تعالى: «كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً..»، الإسراء24، لكن قبل أن يُربّى الأب، وقبل أن يبدأ دوره كان للأم الدور الأكبر؛ لذلك حينما تخاصم الأب والأم لدى القاضى على ولد لهما، قالت الأم: لقد حمله خِفّاً وحملتُه ثقلاً، ووضعه شهوة ووضعتُه كرهاً، لذلك ذكر القرآن الحيثيات الخاصة بالأم؛ لأنها تحملتها وحدها لم يشاركها فيها الزوج، ولأنها حيثيات سابقة لإدراك الابن فلم يشعر بها، فكأنه سبحانه وتعالى أراد أنْ يُذكّرنا بفضل الأم الذى لم ندركه ولم نُحِسّ به، وذلك على خلاف دور الأب، فهو محسوس ومعروف للابن. ولذلك فأنا أطالب المسئولين ورجال الإعلام والصحافة أن يختاروا يوماً لعيد الأب، وأن يحتفى به الأبناء، ويتذكروا من خلاله فضل الأب ودوره، وأن تكون أغنية هذا اليوم أيضاً من غناء المبدعة فايزة أحمد، لكى تبكينا كما أبكتنا فى أغنيتها الخالدة «ست الحبايب» وذلك من خلال أغنية «تعالالِى يابا» التى غنتها فى فيلم أنا وبناتى من كلمات مرسى جميل عزيز، وتلحين محمد الموجى، والتى تحرك كلماتها ولحنها القلوب التى قست على والدها لعلها تعود قبل فوات الأوان، وتقول كلمات الأغنية: «حاسة إنى وحيدة.. وف دُنيا بعيدة.. ولا حدش جنبى من كل حبايبى.. ولا حيلة قلبى غير التنهيدة.. تعالالِى يابا.. الدنيا إما تضيق حواليا وتغَمّى عنيا.. بحلم بسنين حلوة هنية وأنا لسّة صبية.. أيامى فَرْح ولِيلِى كان أحلام وردية.. وإنت بتدعيلى وترقينى مايفرّح فيا عدوينى.. تعالالِى يابا تعالالِى وإحيينى بعطفك.. تعالالى بحبك وحنانك وبكل عواطفك.. محتاجة أطّمِن بوجودك وارتاح على كِتفك.. أَغضب تسامحنى وترضينى.. وتبات تنصحنى وتهدينى.. تعالالِى يابا تعالالِى.. وحياة العِشرة اللى خيالها ما فارقش خيالى.. وحياة الأيام الحلوة والقلب الخالى.. مالناش فى الدنيا غير بيتنا.. يحمى جَمعتنا وفَرْحتنا.. تعالالِى يابا تعالالِى.