نقيب الفلاحين: الطماطم ب 50جنيها.. واللي يشتريها ب "أكثر من كدا غلطان"    رسميا.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 وحقيقة ترحيلها للقطاع الخاص (الأحد أم الخميس)    شراكة استراتيجية مع «الصحة العالمية» لتعزيز نظام الرقابة على الأدوية في مصر    هبوط حاد في الدورة الدموية| التشخيص المبدئي لكهربا بعد وصوله للمستشفى    الجزيري يمدد تعاقده مع الزمالك لمدة موسمين    مدحت شلبي يكشف تفاصيل مكالمة محمد عبدالمنعم مع حسام حسن قبل معسكر أكتوبر    محمد أسامة: جوميز من أفضل المدربين الذين مروا على الزمالك.. والونش سيعود قريبًا    دونجا يتحدى بعد الفوز بالسوبر الأفريقي: الدوري بتاعنا    العثور على جثة حارس مهشم الرأس في أرض زراعية بالبحيرة    مستقبل وطن البحيرة يطلق مبادرة للقضاء على قوائم الانتظار    الصين تتجه لخفض أسعار الرهن العقاري لإنعاش سوق الإسكان    "الصحة اللبنانية": ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى 61 شهيدًا وأكثر من 256 مصابًا    حزب الله اللبناني ينفي صحة التقارير المتداولة بشأن تسمية الأمين العام الجديد    المقاومة العراقية تحذر من إستخدام العراق منطلقا لعمليات التحالف الدولي ضد سوريا    لبنان: استشهاد 45 شخصا وإصابة العشرات في أحدث الهجمات الإسرائيلية    السعودية تعرب عن قلقها البالغ إزاء الأوضاع الأمنية في لبنان    بايدن: سنواصل الوقوف إلى جانب أوكرانيا    انطلاق أولى ندوات صالون المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    من خلال برنامج القائد| 300 ألف يورو لاستكمال المركز الثقافي بالقسطنطينية    أجواء حماسية طلابية في الأنشطة المتنوعة باليوم الثاني لمهرجان استقبال الطلاب - (صور)    سعر استمارة الرقم القومي يصل ل 800 جنيه.. إجراءات جديدة لاستخراج البطاقة في دقائق    هل 200 جنيه للفرد شهريا «مبلغ عادل» للدعم النقدي؟.. أستاذ اقتصاد يجيب (فيديو)    ملف رياضة مصراوي.. اقتراب رحيل صلاح.. تصريحات مجدي عبد الغني.. ومرموش يقهر هاري كين    طبيب الزمالك يكشف آخر تطورات علاج أحمد حمدي    صالون التنسيقية يفتح نقاشا موسعا حول ملف التحول إلى الدعم النقدي    مفاجآت سارة ل3 أبراج خلال الأسبوع المقبل.. هل أنت منهم؟    المفتي: الإلحاد نشأ من أفهام مغلوطة نتيجة خوض العقل في غير ميدانه    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    صناع السياسة في الصين يتعهدون بدراسة تدابير اقتصادية تدريجية    مكون في مطبخك يقوي المناعة ضد البرد.. واظبي عليه في الشتاء    جامعة المنيا تقرر عزل عضو هيئة تدريس لإخلاله بالواجبات الوظيفية    مقتل 3 أشخاص من عائلة واحدة في مشاجرة على ري أرض بأسيوط    ينتظرك الكثير من الرسائل والمكالمات.. توقعات برج الحمل اليوم 30 سبتمبر    الأنبا باسيليوس يترأس قداس المناولة الاحتفالية بكاتدرائية يسوع الملك    أمواج بارتفاع 4 أمتار.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الاثنين بدرجات الحرارة    "الحماية المدنية" تسيطر على حريق هائل في سيارة تريلا محملة بالتبن بإسنا جنوب الأقصر    مصرع سائق إثر تصادم توكتوك بسيارة تريلا على طريق قويسنا بالمنوفية    جثة أسفل عقار مواجهة لسوبر ماركت شهير بالهرم    سقوط غامض لفتاة يثير لغزًا في أكتوبر    الفرح بقى جنازة، مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم جنوب الأقصر    رسميا بعد الارتفاع.. سعر الدولار أمام الجنيه اليوم الإثنين 30 سبتمبر 2024 (تحديث الآن)    حزب الله يشن 11 هجوماً على مستوطنات جيش الاحتلال    ماذا بعد اغتيال نصر الله؟.. تحديات يواجهها الأمين العام الجديد لحزب الله    د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!    زوج أمام محكمة الأسرة: «كوافير مراتي سبب خراب البيت» (تفاصيل)    نسرين طافش أنيقة وفيفي عبده بملابس شعبية.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| اعتذار شيرين لشقيقها وموعد عزاء زوجة فنان وانطلاق مهرجان الجونة السينمائي    تامر عبدالمنعم بعد رئاسة "الفنون الشعبية": طالما لدي شباك تذاكر فالمسرح يهدف للربح    السفيرة الأمريكية لدى مصر تشارك في فعاليات برنامج "هى الفنون" بالقاهرة    نابولي يفوز على مونزا 0/2 ويتصدر الدوري الإيطالي مؤقتا    محافظ جنوب سيناء: 15% زيادة متوقعة بحجم الإقبال السياحي في أكتوبر ونوفمبر المقبلين    عميد معهد القلب يكشف تفاصيل إنقاذ حياة شاب بعملية الأولى من نوعها    هل يؤثر شرب الماء البارد على القلب؟.. الدكتور محمد عبدالهادي يوضح    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    دون جراحة، مستشفى ملوي تنجح في علاج حالة سرطانية نادرة (تفاصيل)    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرآة جلال الدين الرومى
نشر في الوطن يوم 30 - 05 - 2015

لا أستطيع أن أتحدث عن جلال الدين الرومى وتاريخه وآثاره فى هذه المساحة الضيقة، فالحديث عنه كمحاولة ملء زجاجة بالنور، لا يفعل ذلك إلا مجنون أو صاحب همّة عالية، ولا أظننى منهما. يقول جلال الدين الملقب ب«مولانا» أى «الخواجة»: «أَمَر العِشقُ كلامى فظَهر، ما جدوى المرآة إن لم تعكس الصور؟»، وكأنه يقول إن فى داخل كل واحد منا مرآة خاصة به، أى حقيقته، التى عندما تكون صافية فإنها تعكس النور والنقاء والمحبة. أو كما يحصل عندما يتحمّم أحدنا بماء ساخن ويخرج من الحوض ليجد مرآة الحمام قد كستها الرطوبة، فلا يستطيع أن يرى انعكاسه فيها، حينها، يمسح بيده عليها حتى تتضح له ملامح وجهه.
يقول مولانا: «أتدرى لماذا لا تُنبئ مرآتك؟ لأن الصدأ لم يُجْلَ عن وجهها». ويعنى بالصدأ الصفات السيئة التى تملأ النفس البشرية، التى لو حاولنا حصرها فى مجتمعاتنا اليوم لوجدنا أن أغلب النفوس مليئة بالحقد، والكره، والعنصرية، والجهل، وهو الأكثر خطورة. ولذلك فإن الحياة فى كثير من مجتمعاتنا المسلمة هى انعكاس لهذا الصدأ المتراكم على مرايانا، والنتيجة أن يدخل مسلم إلى مسجد، وليس إلى كنيسة، ولا معبد، ولا برلمان، ولا قاعدة عسكرية، ولا مركز تجارى، فيفجّر نفسه، ظناً منه أنه على بُعد ثوانٍ من لقاء الحور العين! ورغم أن التفجير مرفوض تماماً فى هذه الأماكن وغيرها، إلا أننى ما عدتُ أتفاجأ من أخبار التفجيرات الانتحارية، رغم أنها تؤلمنى كثيراً، إلا أنها نتيجة طبيعية لكل المحاضرات والخطب والكتب والمقالات والفيديوهات والصوتيات التحريضية التى تملأ السمع والبصر منذ أكثر من ثلاثين عاماً، نشأ خلالها جيل على كره الآخر، ووجوب الاعتقاد بكفره وضلاله. ولم ينسَ الزارعون حينها أن يصوروا لنا الجهاد وكأنه الغاية العظمى من هذه الحياة، حتى إذا ما ذهب أولادهم اليوم وانضموا إلى «داعش»، ركضوا إلى السلطات يبكون ويرجونهم أن يعيدوهم من هناك! أقول لكل من راكم الصدأ على مرايانا، ولكل من جعلنا نشعر بالذنب عندما كنا نكتب ونتحدث ونحذر من الخطاب الأصولى المتطرّف، هل أدركتم الآن لماذا كنا نكتب؟ إن من يحذّر من التطرف الدينى ليس ضد الإسلام، ولكنه ضد من يحجب النور عن المجتمع، وضد من يحاول إقناعه بأنه يملك مفاتيح المعرفة، وأنه يعلم من الله ما لا نعلم. لدى اختبارٌ شخصى أسميه «اختبار المرآة»، حيث كلما وقفتُ أمام المرآة حدّقتُ فى وجهى جيداً وسألتُ نفسى إن كنتُ أستحيى من النظر فيها أم لا؟ لم تنكسر عينى فى عينى حتى الآن، ولكن اليوم الذى سيحدث فيه ذلك، سأكون قد ارتكبتُ ذنباً كبيراً جعلنى أخجل من نفسى حتى إننى لم أستطع أن أنظر إليها فى المرآة، وهو ما أتحاشى فعله أبداً.
أتمنى من كل إنسان يدعو إلى العنف، ويكفّر الآخر، ويرفع يديه بالدعاء على من يختلف عنه، ويشتمه ويهين مقدساته، ثم ينام ويصحو على خبر تفجير مسجد حيّهم وموت عشرين من جيرانه فيه، أتمنى منه أن يقف أمام المرآة الآن ويحاول أن ينظر فى عينى نفسه.. إما أنه لن يستطيع أن ينظر فيها من شدة الخجل والانكسار، وإما أنه سيرى، بسبب الصدأ والضباب المتراكم على المرآة، شخصاً مشوهاً، بائساً، تحول من إنسان إلى وحش همّه إبادة الآخرين، تماماً كما كان يفعل التتار.
يقول مولانا: «تُلقّن الحكمة على لسان الواعظين، بقدر همم المستمعين»، أى أن ذنب أولئك الوعّاظ الذين كرّهونا فى كل إنسان غيرنا، وأقنعونا بأن البشرية كلها ستدخل النار إلا نحن، ليس ذنبهم وحدهم، بل حتى نحن المستمعين، لم نكن ذوى همة عالية، بل سلمنا عقولنا وقلوبنا لهم دون حتى أن نتجرأ على السؤال، فلم يُلقّنوا الحكمة كما اعتقدنا، بل افتعلوها واخترعوها، ثم صدّقنا وكبّرنا.
إن آفة العقل الإسلامى اليوم هى الجهل، فنحن فى المرحلة الأدنى من سلم الحضارة، وهى أننا نجهل أننا نجهل، ونحتاج، لنبدأ الصعود، أن نعلم أننا نجهل، وهى المرحلة الثانية. أما المرحلة الثالثة فهى أن نعلم أننا نعلم. عندها فقط سنستطيع أن نقول إن الإيمان شأن خاص بين الإنسان وربه، وكل ما يَلْزَمُنا من الآخر هو شخصه لا اعتقاده، عقله لا نيّته، عطاؤه لا مذهبه.
يقول «جبران»: «الإنسانية نهر من النور يسير من أودية الأزل إلى بحر الأبد». إن أبسط وأعظم شىء نحتاجه لكى لا تُفجّر المساجد، ولا تُقطع الرقاب، ولا يُحرق الأحياء باسم الدين، هو أن يعود أحدنا إنساناً مُجرّداً من وَهْم «الاصطفاء»، ولكى يصل إلى ذلك، فإنه فى حاجة إلى مرآة جديدة، أو على الأقل، أن ينظّف مرآته القديمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.