ما أشبه اليوم بالبارحة، المؤامرات على المنطقة العربية فى الماضى هى نفسها فى الحاضر والأحداث تتكرر، لكن بوتيرة أسرع وبمسميات جديدة. ولعل تذكّر واستيعاب الماضى يساعدنا على قراءة المستقبل وتوقع أحداثه القادمة. ولنبدأ من حرب 1948 والمؤامرات الغربية لدعم العصابات الإسرائيلية لكسر إرادة العرب واحتلال الأرض الفلسطينية، ثمّ التحرّك القوى للإخوان المسلمين والاغتيالات السياسية فى مصر، ثمّ حريق القاهرة، ثمّ ثورة الجيش عام 1952، ثمّ محاولة الإخوان ركوب الثورة ولم ينجحوا فقاموا بالتخطيط لاغتيال «عبدالناصر»، فى محاولة فاشلة انتهت بهم إلى الزج فى السجون. وقام العالم الغربى بمحاصرة مصر ومنع السلاح الغربى عنها، فلجأت مصر إلى التسلح من المعسكر الشرقى. بعدها قام الغرب بإنشاء حلف بغداد بدعم أمريكى، الذى كان يضم العراقوتركياوإيران وباكستان وإنجلترا لمحاصرة المد الشيوعى بالمنطقة. وتم التآمر على مصر فى مياه النيل ومحاولة منع مصر من بناء السد العالى ووضع العراقيل أمام حصول مصر على قرض من البنك الدولى، بل ودعم السودان لبناء سد الروصيرص على النيل الأزرق وتوفير تمويل البنك الدولى له، ودفع السودان لافتعال أزمة حلايب وشلاتين مع مصر. وقامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بدعم إثيوبيا لبناء سد على النيل الأزرق وربط إثيوبيا بالسودان بالسكك الحديدية لعزلها عن مصر. فقام «عبدالناصر» بتأميم قناة السويس، ثمّ كان العدوان الثلاثى الفج على مصر، وكانت المفاجأة فى صمود شعب مصر الأبى الذى اصطف خلف قائده «عبدالناصر»، وانتصرت مصر. وحصلت مصر على قرض من الاتحاد السوفيتى، وبدأت فى بناء السد العالى، وانتفض الشعب العراقى وثار وانسحب من حلف بغداد، وانتفض الشعب السودانى ضد حكومته، وتولى الفريق عبود قيادة السودان، وعقدت السودان مع مصر اتفاقية 1959، وتوقف مخطط السد الإثيوبى. وانتفض الشعب اليمنى، وساندته مصر لإنقاذ ثورته، ولتأمين البحر الأحمر وباب المندب. إنّ هذه الأحداث تشبه إلى حد كبير ما يحدث حالياً فى المنطقة العربية فى الشام والعراق واليمن والسودان، بل زاد عليها ما يحدث فى ليبيا. الحروب هى نفسها ولكن من نوع آخر، وبما يسمى بالجيل الرابع، الذى يعتمد فى الأساس على قتل بعضنا البعض وتخريب بلادنا بأيدينا وبوسائل إعلامنا، وقامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بمنع تزويدنا بالسلاح لمحاربة الإرهاب وقطعت معظم المعونة الاقتصادية عنّا، فتوجهنا كما فعلنا فى الماضى إلى الشرق، للحصول على السلاح وللدفاع عن بلادنا. لقد التف الأعداء حول المنطقة العربية ينهشون فى لحومها ويعتدون على نسائها ويقتلون شبابها تحت مسميات الديمقراطية والحرية والتحرّر، مستخدمين المرتزقة من تجار الدين لتكفير المجتمع وإباحة دمائه وسبى نسائه ونهب ثرواته وتدمير بنيته التنموية حتى لا تقوم قائمة للعالم العربى. المستفيد الوحيد إسرائيل، والعملاء كثيرون من الداخل باسم الدين وباسم الديمقراطية ومن الإقليم تركياوإيران، شبيه بحلف بغداد فى الماضى. وابتدأت المؤامرة بتحطيم وتقسيم العراق، ثم بما يُسمى بالربيع العربى، للقضاء على قطبى العروبة، مصر وسوريا. ونجح المخطط بشكل كبير فى سوريا التى قطّعوا أشلاءها وأنهكوا جيشها وقسّموا شعبها واستحضروا مرتزقة الإرهاب من بقاع الأرض. وفعلوا الشىء نفسه فى ليبيا وتخلصوا من «القذافى»، واستحضروا جميع أشكال الميليشيات العسكرية وزودوها بالسلاح وقضوا على معظم البنية الأساسية للبلاد. لقد استدعوا «القاعدة» واختلقوا ما يُسمى ب«داعش»، لتدمير كل شىء فى سورياوالعراق وليبيا، ولإشاعة الفزع والرعب من خلال ارتكاب أفظع الجرائم الإنسانية من قطع الرؤوس وحرق الأحياء وبيع النساء فى سوق النخاسة. لقد خلق الغرب هذه الوحوش من أموال عربية وسلحوها بأموال عربية ثمّ خلقوا تحالفاً لمحاربتها أيضاً بأموال عربية. الغريب أنهم فى الصباح يزودونهم بالسلاح والأموال والرجال، وفى المساء يلقون عليهم القنابل والنيران. الهدف هو الحفاظ على هذه العصابات كمصدر تهديد للمنطقة بأكملها، تتقلص فى الوقت الذى يريدونه وتمتد فى الوقت الذى يقررونه. وفى اليمن ظهر الحوثيون بدعم من إيران وحزب الله اللبنانى مزودون بالأسلحة والعتاد والأموال واحتلوا مساحات من البلاد بقوة السلاح. وأصبحت الجزيرة العربية محاطة بإيران من الشرق، وبالحوثيين من الجنوب، وب«داعش» من الشمال، وبدأت مؤامرة السيطرة على باب المندب الاستراتيجى. المفاجأة جاءت كالعادة من مصر، فقد انتفض الشعب المصرى وقام بثورة يونيو والتحم مع جيشه فى معركة بقاء مصيرية. وساعدتنا دول الخليج بكل شىء حتى استردت مصر عافيتها، وبدأ الجيش فى دك الإرهاب بقوة فى سيناء، وتم اكتشاف مخازن هائلة من السلاح الحديث ووسائل الاتصال، وعدد هائل من الأنفاق لتهريب العتاد والإرهابيين، والعديد من التفجيرات فى مدن وقرى مصر، لكنها لم تفلح مع الشعب والجيش المصرى. فبدأت المشاكسات من الخارج لتقليل الضغط على إرهاب الداخل، وذلك عن طريق «داعش ليبيا» التى خطفت عمّالاً مصريين «عزّل»، وقامت بذبحهم أمام العالم أجمع. فقام الجيش المصرى بالتنسيق مع الحكومة الليبية بتلقين «داعش» والعالم الغربى درساً لن يُنسى، وتم قتل العشرات من الإرهابيين وتدمير مخازن السلاح والعتاد، وهرب الباقى كالجرذان فى الصحراء. وذهبت مصر إلى مجلس الأمن للحصول على دعم دولى لمحاربة الإرهاب فى ليبيا، وبالطبع وقف الغرب أمام الطلب المصرى، وقالوا إننا نحارب «داعش» فى العراقوسوريا فقط، أما فى ليبيا فيجب حل المشكلة سياسياً. لقد بدأ العرب يعلمون أن مصيرهم فى أيديهم وليس فى أيادى الغرب، ولدينا كل شىء، الرجال والمال والسلاح، ولا ينقصنا إلا الاتحاد والوقوف صفاً واحداً. لقد حان الوقت فى القمة العربية، لكى يتولى العرب زمام أمورهم، ويقومون بتشكيل جيش موحد يدافع عن الأمة فى محاربة الإرهاب فى سورياوالعراق واليمن وليبيا، ويمنع تدخل دول مثل تركياوإيران من التدخل عسكرياً وسياسياً فى الأراضى العربية. ويجب إنهاء الدور السلبى العربى من ترك إيران لأمريكا يتحاوران ويتفاوضان ويقسمان الأدوار ونحن نشاهد وننتظر، بل يجب الإسراع فى فتح حوار استراتيجى معها لحسن الجوار والتعايش السلمى وضمان المصالح المتبادلة. أما المؤامرة على حصة مصر من مياه النيل، فهى تجسّد المخاطر الجنوبية على الأمة العربية، وقد تكون من أكثر القضايا العربية تشابكاً وتعقيداً.