على مقهى تتوسط القرية، يجلس "محمد أشلان" يحتسى كوبًا من الشاي، بعدما فرغ من عمله على الشاطئ، فيستعد للولوج لمركب الصيد، في رحلة قد تمتد لأكثر من شهر داخل مياه البحر المتوسط، التي اعتاد من نعومة أظافره أن يمتطيه بحثا عن قوت يومه، فلا يعمل أحد في قريته الأثيرة "كفر مغيزل" التي تقع على نهاية فرع رشيد، عند التقاء البحر المتوسط بنهر النيل سوى في الصيد، والذي لا يجده في الشواطئ المصرية، رغم القبض على الكثير من الصيادين المصريين واحتجاز مراكبهم، على السواحل التونسية والليبية، فحسب قوله ل"الوطن": "بحرنا فقير.. مفهوش سمك زي ما الناس فاكرة، ومفيش حل غير أننا نسافر ونتغرب ونبعد عن عيال في رحالات الموت عشان نجيب أكل عيشنا". "العمل تحت وطأة الموت"، يقولها الرجل بشعره الخفيف، ولحيته الصغيرة، ورائحة الأسماك التي تفوح من ملابسه، مشيرًا إلى أن الصيادين ينزحون إلى السواحل الليبية وقت الحرب: "نموت بالرصاص ولا نموت من الجوع"، مشيرًا إلى كثرة المخاطر التي يعيش فيها الصياد ليست سواحل ليبيا وحدها ولكن البرد أيضًا يداهمهم وقت عملهم: "لسه واحد راجع إمبارح ميت من البرد والنوة"، ولا يخفي كرهه للكثير من أهالي قريته والقرى المجاورة الذين يعملون في "الزريعة"، والذي حسب قوله، هي السبب الرئيسي في فقدان مياه البحر المتوسط للأسماك، حيث يصطاد السمك الصغير المعروف باسم "الزرعية" قبل أن يكبر ليكون صالحًا للصيد: "الزرعية قطعت عشنا من البلد وهي السبب في سفرنا لليبيا"، مشيرا إلى أن العاملين على اصطياد الزرعية يبيعوها لأصحاب المزراع السمكية: "حسبي الله ونعم الوكيل في الحزب الوطني هو السبب في قصة مزارع السمك والزرعية والشغل الرخيص ده.. فقر بحرنا وميتنا بعد ما كان كلها خير". بضرواة شديد يهاجم "أشلان" هيئة الحفاظ على الثروة السمكية، ويتهمها في الإهمال في حق الصيادين والبحار في مصر، بعدما تركت مساحة لصيادي الزرعية وأصحاب المزارع السمكية في القضاء على الثروة السمكية المصرية، مطالبًا بضرورة وجود "محمية" لحماية السمك من الاصطياد خلال فترة "البخ" وهي الفترة التي يضع فيها السمك بيضه، حتى يخرج السمك الصغير، والتي تنتظر صيادي الزرعية لبيعه للمزارعة، مشيرًا إلى ضرورة الرقابة على تلك العملية التي تضر بمياه مصر وسمكها. على القارب، يؤدي عدد من البحارة أعمالهم بدقة، أحدهم يحمل صندوقًا، والآخر يعيد طلاء السفينة من الخارج، ويقف درويش إبراهيم، رئيس المركب، وسطهم، يستعد لرحلته غدا، يجوب البحر المتوسط 20 يوما صوب ملطة: "تموين المركب جاز بس ب50 ألف جنيه غير أكل الصيادين والتلج.. هنا بقا يوم ما المركب تصطاد تصطاد بألف"، مشيرا إلى ال16 بحارًا الذين يعملون معه: "منين أدفع أجور الرجال دي وهما يصرفوا على عيالهم.. وهما رزقهم من رزقي اللي بيجيبوا البحر بيسترزقوا منه"، ويصر بصوت عال، وعزيمة كبيرة يقول: "لازم المركب تروح ملطة ولازم تروح تونس وليبيا كمان في عز العرب أومال هنشتغل منين". بكل ثقة وبوجه مفكر يقول إن الصيادين في قريته يخترقون القانون والتصريح الذي تعطيه لهم حرس الحدود بالصيد داخل المياه الإقليمية المصرية والتي تقدر ب5 أميال، ولكنه يقول: "هو بيدينا التصريح وعارف إننا هنخرج بره.. مفهاش حل تاني.. بحرنا فاضي مفهوش سمك"، يقاطعه آخر يرفض ذكر اسمه: "لازم يبقا في محمية يتمنع فيها الصيد خلال شهور 5 و6 و7، وقت السمكة لما تكون بتفرخ"، يؤكد على حديثه "درويش" ويقول: "ساعتها البحر هيتملي سمك، والمركب كلها هتاكل ساعتها من هنا".