قرار رئيس مجلس الشورى بوقف رئيس تحرير الجمهورية عن العمل سابقة خطيرة وغير مسبوقة فى تاريخ الصحافة المصرية، والغريب أنها تحدث فى ظل رئيس ومجلس شورى منتخبين ويُفترض أنهما يمثلان ثورة يناير التى تتصدر الحرية أهدافها النبيلة. لا شك أن رئيس التحرير والمحرر قد ارتكبا خطأ مهنياً عندما نشرا خبراً -نُسب إلى مصدر قضائى- بتوقع منع المشير وعنان من السفر للخارج والتحقيق معهما فى قضايا فساد، ومثل هذا الخطأ وارد فى العمل الصحفى، خاصة فى ظل الفوضى الإعلامية والابتعاد عن المهنية التى أصبحت للأسف سمة من سمات الأداء الإعلامى بعد الثورة، ولا أقصد هنا تبرير خطأ الجمهورية وإنما الإشارة فقط إلى أن ما وقع هو جزء من ظاهرة تراجع الأداء المهنى للإعلام، وسط حالة الفهم الخاطئ لكثير من الإعلاميين لحرية الإعلام، وفى عدم وجود جهات للمحاسبة والتدقيق، فنقابة الصحفيين غائبة، والقوانين المعمول بها ومواثيق الشرف الإعلامى قديمة ولا تتماشى وثورة الاتصالات، أو أحلامنا المشروعة فى إعلام وطنى حر ومستقل. وقع الإعلام ضحية أخطاء المجلس العسكرى وحكوماته، فلم يتغير الإعلام الرسمى، بينما نجح رجال الأعمال وشركات الدعاية والإعلان وقنوات خليجية فى تشكيل بيئة الإعلام بعد الثورة لصالحهم!! والمفارقة أن أعضاء البرلمان المنتخب بأغلبيته من إخوان وسلفيين لم يقتربوا من ملف الإعلام الشائك إلا من خلال نفس القوانين والتقاليد التى كانت متبعة أيام المخلوع، فمجلس الشورى بأغلبيته الإخوانية يختار رؤساء التحرير، ويشكل المجلس الأعلى للصحافة، وتعيد الحكومة الحياة لقانون العيب فى الذات الرئاسية (إهانة الرئيس) لتأديب الصحفيين وتخويفهم! اختار مجلس الشورى رؤساء التحرير ومنهم جمال عبدالرحيم رئيس تحرير الجمهورية، أى أن الرجل موثوق فى مواقفه السياسية وقدراته المهنية من وجهة نظر مجلس الشورى واللجنة التى شكلها، إذن ماذا حدث كى ينقلب عليه رئيس الشورى، رغم أن عبدالرحيم نشر تصحيحاً وأحال المحرر الذى كتب الخبر إلى التحقيق، وهى إجراءات مناسبة قانونياً ومهنياً لكن رئيس الشورى قرر إيقاف رئيس التحرير وإحالته إلى التحقيق أمام المجلس الأعلى للصحافة، وهو جهة غير مختصة بالتحقيق مع الصحفيين أو تأديبهم، لأن نقابة الصحفيين هى صاحبة هذا الحق، وقد ناضل الصحفيون لإقرار ذلك، وهنا تجدر الإشارة إلى أن صفوت الشريف فى عصور الاستبداد والقمع لم يحول إبراهيم عيسى للتحقيق أمام المجلس الأعلى للصحافة عندما اتُّهم بنشر شائعات عن تدهور صحة مبارك. هل صحة مبارك أيام صفوت الشريف أكثر أهمية وخطورة من نشر خبر عن منع سفر المشير وعنان أيام محمد مرسى، قد تبدو المقارنة غريبة لكنها واردة، خاصة عندما نتأمل غضب الجيش من حملات تشويه قادته فى وسائل الإعلام، طبعاً ليس ما نُشر فى الجمهورية وإنما ما نُشر وأذيع عن انتداب قاضٍ للتحقيق فى بلاغات قُدمت ضد المشير وعنان وبدين فى أحداث ماسبيرو، وبالتالى يبدو أن أهل الحكم قرروا التضحية برئيس تحرير الجمهورية -وهو كان محل ثقتهم- لتهدئة الجيش، وهو تصرف ساذج ومفضوح وغير أخلاقى، لأنه يعاقب صحيفة واحدة على أخطاء ارتكبتها فضائيات وصحف كثيرة عندما نشرت أخباراً عن التحقيق مع المشير ورجاله، وكان من المفترض محاسبة كل وسائل الإعلام التى أخطأت بنشر أخبار كاذبة، لكن المحاسبة من وجهة نظرى ليست بالإيقاف أو المنع أو المصادرة وإنما بنشر تصحيح للأخبار غير الصحيحة، والاعتذار، لأن القانون ينص على الحق فى نشر التصحيح، أما التحقيق والتأديب فهذا دور نقابة الصحفيين، والإشكالية الآن أن العاملين فى الفضائيات الخاصة والعامة ليس لهم نقابات مستقلة أو مواثيق شرف إعلامى تنظم عملهم، لذلك عليهم بسرعة التحرك لتشكيل نقاباتهم وإصدار ميثاق شرف إعلامى يضع ضوابط ومعايير للأداء الإعلامى وللمحاسبة الذاتية.. عليهم أن يتحركوا سريعاً قبل أن تنقضّ عليهم يد النظام الجديد وتعصف بحريتهم.