«كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» - الشائعة هى مجرد «رسالة» سريعة الانتقال، الهدف منها إحداث بلبلة أو فوضى لتحقيق أهداف فى غالبها تكون هدّامة، فهى تلعب على وتر تطلع الجمهور لمعرفة الأخبار فى محاولة لإحداث التأثير المستهدف لمروجيها خاصة فى أوقات الأزمات، وبحسب كتاب سيكولوجية الشائعة Psychology of Rumor لاحظ عالما النفس ألبورت وبوستمان أهمية الشائعة والشائعة المضادة فى التأثير على معنويات الناس وأفكارهم واتجاهاتهم ومشاعرهم وسلوكهم، ولاحظا أن الشائعات تنتشر أكثر فى وقت الأزمات وفى الظروف الضاغطة أو المثيرة للقلق، وكذلك فى فترات التحول السياسى أو الاجتماعى، ووجدا أيضاً أنها تنتشر حين يكون هناك تعتيم إعلامى أو غموض فى المواقف أو كذب معتاد على ألسنة المسئولين الحكوميين أو تضليل متعمد ومعتاد عبر وسائل الإعلام المختلفة، وقد توصلا لوضع معادلة انتشار الشائعة تقول إن: «انتشار الشائعة يساوى أهمية الموضوع المتصل بالشائعة مضروباً فى مدى الغموض حوله، وبناءً على هذه المعادلة تصبح الشائعة أكثر انتشاراً كلما كان الموضوع مهماً وغموضه كبيراً، وعلى العكس لو فقد الموضوع أهميته أو كانت المعلومات حوله واضحة ومحددة أو بمعنى آخر لو أصبح أحد عناصر المعادلة صفراً فإن الناتج يكون صفراً وهو ما يعنى فشل الشائعة، وبصفة عامة فإن الشائعات تقوم بوظيفة مزدوجة من الناحية النفسية، فهى تفسر التوترات الانفعالية التى يستشعرها الأفراد وتنفس عن مكنوناتها». - هذا وتمثل الشائعات وما ينتج عنها من حرب نفسية إحدى أهم أدوات الحرب الحديثة، وترويجها فى موضوع معين لا يتم بشكل عشوائى، وإنما قد تقوم أجهزة معينة تابعة لبعض الدول بترويج الشائعات عن قيادات دولة ما، أو الوضع الاقتصادى والاجتماعى والسياسى لها لتحقيق مجموعة من الأهداف التى تخدم الدولة أو الجماعة التى روجت هذه الشائعة، وتأثير هذه النوعية من الشائعات يكون شديد الخطورة على جميع النواحى، وغالباً ما يهدف إلى تدمير تماسك النظام السياسى، خاصة حينما تتعلق الشائعة برموز الدولة وقياداتها السياسية ولا سيما الرموز التى تحظى بحب جارف من جانب الشعب بفئاته المختلفة، فعندها يتحول الأمر من مجرد شائعة إلى صدمة شعبية عاطفية ويتعاظم التأثير النفسى والسيكولوجى لها مما يؤدى إلى زعزعة استقرار المجتمع وتعميق القلق وزيادة الاستقطاب السلبى وتشتيت الشعب وبث روح اليأس فيه، وإفشال مؤسسات الدولة وإحداث قدر هائل من الفوضى والارتباك والذعر الداخلى، مما يترتب عليه شغل الشعب عن البناء والتنمية وإغراقه فى الجدل والصراع الداخلى أو ما يسمى بحالة «التيه الشعبى». - ومن الناحية النظرية كان من المتوقع أن تتراجع الشائعات مع هذا الانتشار الرهيب لوسائل الاتصال التكنولوجى، حيث لم يعد هناك شىء مخفى، ولكن الواقع أن انتشار الشائعات بصورة واسعة فى المجتمعات هو إحدى سمات عصر الثورة التكنولوجية وابتكار تقنيات الاتصال الحديثة، بل هناك دراسات تؤكد أن من أهم الأهداف التى دفعت الدول الكبرى إلى تدعيم تطور هذه التقنيات هو: أن تستخدمها كأداة فى هذه الحروب الجديدة، فقد أصبح بإمكان أى شخص يمتلك الوسيلة المناسبة وبعض المهارات التقنية أن يكون منتجاً وناشراً للشائعات، وفى ظل هذه الوفرة المعلوماتية ولا محدودية مصادرها فقد أصبح من الصعب على من يتلقى هذا الكم من المعلومات أن يميز الصحيح من الخاطئ والحقيقة من الإشاعة، والجانب الأخطر مما سبق أن هناك شواهد عدة تشير إلى تحول بعض وسائل الإعلام إلى مربع «الشائعة»، بمعنى أن الإعلام يتخلى عن دوره الحقيقى وهو البحث عن الحقيقة وكشفها ليتداول وقائع وأحداثاً أقرب إلى الشائعات منها إلى الأخبار، وفى كثير من الأحيان يفعل ذلك متعمداً لتحقيق أهداف ومصالح بعض الأشخاص أو الجهات. - وقد تعرض بلدنا فى السنوات الأخيرة وبصورة مكثفة لهذا النوع من الهجوم، حيث اعتمد أعداء بلدنا على ما يسمى «سياسة تصدير القلق»، وهى سياسة تهدف إلى نشر الشائعات المحبطة عن الدولة ونظام الحكم فيها، مستخدمين فى تحقيق ذلك مقاتلين جدداً على هذه الجبهة المستحدثة عبر وسائل الإعلام والتواصل بكافة أنواعها، ونظراً لما تمثله هذه الشائعات من خطر يهدد الأمن الوطنى لبلدنا، فإن هناك ضرورة ملحة للتعامل الفاعل والسريع مع أى شائعة، والعمل على وقف انتشارها وهذا يقتضى التحرك على مستويات متعددة، يأتى فى مقدماتها المستوى الرسمى، فكما بينّا أعلاه أن الغموض والضبابية يوفران مناخاً ملائماً لانتشار الشائعات وتعميق تأثيرها السلبى، وبالتالى فإن حرص الحكومة على الشفافية وتوفير المعلومات الحقيقية وسهولة تداولها تعد من أهم استراتيجيات مواجهة الشائعات. - ويجب أن نعلم جميعاً أن ترك الشائعات وعدم الرد عليها يجعلها تتحول فى عقول أبناء الشعب إلى حقائق تنتج عنها سلوكيات عملية غالباً ما تكون سلبية، ولعلنا نتذكر الشائعة التى أطلقها الإخوان عقب ثورة يناير من أنهم قد عقدوا اتفاقاً مع الجيش، وكيف كان لهذه الشائعة تأثير سلبى على مشاعر البعض تجاه الجيش، نتيجة لعدم تكذيبها أو الرد عليها وتكرارها من قبل قيادات الإخوان فى جميع وسائل الإعلام وقتها.