دخل السجين «آندى» غرفة مكتب «نورتون»، رئيس السجن المستبد الفاسد، وبينما يحاول ترتيب المكتب، عثر على أسطوانة لأوبرا «زواج فيجارو» التى كتبها «موتسارت» العظيم. فأغلق الباب على نفسه من الداخل، ووضع الأسطوانة فى جهاز الفونوغراف ثم أوصلها بميكروفون إذاعة السجن، وانطلق صوت المغنية اليونانية «ماريا كالاس» يهدهد حوائط الزنازين القاسية، كان صوتها كأنه ملاك يرفرف فوق رؤوس السجناء. وسارع الحراس ورئيس السجن وحطموا الباب المغلق، وأخذوا «آندى» إلى غرفة الحبس الانفرادى، حيث لن يرى ضوء الشمس لمدة شهر كامل. هذا هو المشهد المحورى فى فيلم «الخلاص من شاوشانك» الذى يحتل المرتبة الأولى فى قائمة أفضل أفلام السينما العالمية على مدار تاريخها، وهو من بطولة «تيم روبنز» الذى جسد شخصية السجين «آندى»، و«مورجان فريمان» الذى جسد شخصية السجين الأسمر «ريد»، وهو من إخراج الفرنسى «فرانك دارابونت» عن رواية ل«ستيفن كينج». وبعد خروجه من الحبس الانفرادى، وجه «ريد» سؤالاً إلى «آندى» عن سبب إقدامه على تشغيل الأغنية رغم علمه بالعقوبة، وكان الرد: «الموسيقى ستظل تذكرك بأن هناك شيئاً فى داخلك لا يستطيعون لمسه، لا يستطيعون الوصول إليه.. إنه الأمل»، نظر إليه السجين قائلاً: «دعنى أخبرك بشىء، الأمل شىء خطير يا صديقى ولا معنى له داخل السجن». صحيح أن «آندى» نجح فى تحقيق أمله بالفرار من السجن، لكن ذلك لم يكن إلا من خلال التحايل وليس العدل، كأن صانع هذه الأسطورة يقول إن العدل ليس الأداة المثالية لتحقيق الأحلام، وسيظل الأمل أمراً خطيراً، ما دمنا نحتكم إلى هذا العدل. وبصرف النظر عن كل المتآمرين والمنتفعين والآكلين على «موائد 25 يناير»، فإن فئة قليلة نقية كان لديها أمل حقيقى فى الشعار المرفوع وقتها «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، وبعد مرور ما يقارب 4 سنوات، خفت بريق الأمل، أو صار خطيراً حقاً الاستمرار فيه، فالثورة الأولى لم تفعل شيئاً سوى وضع الإرهابيين على مقعد السلطة، وإطلاق غريزة الفوضى الكامنة فى نفوس الشعب، وإطلاق الوحوش المسلحة فى أنحاء مصر، ولا عيش ولا حرية ولا عدالة اجتماعية. من المنصف ل«25 يناير» ألا نجاملها، حتى لو كان ذلك بأمر الرئيس، الذى يسعى لاستصدار قانون يجرم إهانتها، بل من حقها أن نعترف بفشلها نهائياً، حتى لا تتحول من مجرد أمل خطير إلى وهم أو صنم يدافع عنه عبدة أوثانها، والإصرار على أنها لا تزال مستمرة هو فقط محاولة من جانب منتفعيها لحلب آخر ما تبقى فى ضرعها. «25 يناير» فشلت وانتهى الأمر، ومن أراد «عيش وحرية وعدالة اجتماعية» عليه أن يبدأ القصة ببداية جديدة، وبحراك جديد، وبأيادٍ نظيفة جديدة، ووجوه غير تلك المشبوهة.