سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الوطن» ترصد: مزارع كتاكيت فى «الضبعة».. بعد رحيل المشروع النووى بالمستندات.. «الطاقة النووية» أرسلت تحذيراً ل«الدفاع» قبل اقتحام الموقع بأسبوعين لتأمينه
«التسرب الإشعاعى تهجير جماعى»، هذه العبارة كتبها بعض الأهالى على الجدران، فى الطريق المؤدى إلى مدخل موقع الضبعة، وهو المكان المقترح لتنفيذ المشروع النووى، الذى تحول إلى مقبرة، ليست لأسرى الحرب العالمية الثانية فحسب، بل للمقرات الإدارية والمبانى التابعة لهيئة المحطات النووية، التى كانت تحمل بين طياتها حلماً بإنشاء أربع محطات نووية لإنتاج الطاقة. «الوطن» تفقدت مقر المبانى الإدارية، عقب تفحمها فى يناير الماضى، على خلفية اقتحام أهالى الضبعة للموقع، لاسترداد ما انتزعته الدولة منهم طيلة الثلاثين عاماً الماضية، وثأرا لهدم منازلهم عام 2003، وتركهم بلا أغراض فى خيام تبعد عن الموقع أمتاراً قليلة. حياة الأهالى هناك، انقلبت رأساً على عقب، وفى أثناء محاولتهم توفير متطلبات المعيشة، زرعوا التين والزيتون، بجوار عدة مبانٍ سكنية، وحفروا آباراً للحصول على المياه الجوفية، ومارسوا نشاط الصيد ورعاية الأغنام. وعلى بعد أمتار قليلة من المبانى الإدارية المنسوفة، بدأت أول مزرعة لتربية الكتاكيت عملها، بتربية ما يقرب من 5 آلاف كتكوت، حسب عبدالله رشوان، صاحب المزرعة، الذى يعمل على رعاية الكتاكيت لمدة 40 يوماً وبعد ذلك يبيعها إلى أحد التجار. وبالمقابل، رصدت «الوطن» بعض الأنشطة التى كانت تجريها هيئة الطاقة الذرية، داخل موقع الضبعة منذ إخلائه فى يوليو 2003 بكتاب صادر من وزارة الدفاع لتنفيذ القرار الجمهورى رقم 309 لعام 1981، الذى يقضى بالاستيلاء المباشر على أراضى الضبعة لإنشاء المحطات النووية لتوليد الكهرباء بالموقع، حيث كانت هيئة الطاقة النووية طيلة الأعوام الماضية تنظم «مصيف السحر والجمال»، للعاملين فى وزارة الكهرباء، وجاء ضمن كشف الأفواج المستفيدة من مصيف الضبعة عام 2007، أسماء قيادات فى هيئة الطاقة النووية، منهم الدكتور منير مجاهد، مدير موقع الضبعة، وذلك فى الوقت الذى كان يُحرم فيه أهالى الضبعة، الذين لا يبعد الشاطئ سوى أمتار قليلة عن مدينتهم، بدعوى أن الأهالى محظور عليهم دخوله، وداخل الموقع كانت هناك 84 مزرعة تين وزيتون منتجة، تحت إشراف القوات المسلحة. يوم 27 يوليو 2003، يتذكره مسعود خميس، أحد أهالى الضبعة، جيداً، ففيه توفيت جدته حزناً على هدم منزلها فوق أغراضه، أثناء اقتحام الجيش والشرطة، ولم يجد الأهالى وقتها سوى خيام تستر عورات التهجير القسرى ل500 أسرة، وظلوا طوال تلك السنوات يتذكرون مشاهد ذلك الاقتحام طيلة الأعوام الماضية، لتتحول الذكريات إلى حكايات يرويها أهالى الضبعة لأحفادهم كشهود على مأساة. «الثأر» هو الكلمة المشتركة فى أحاديث أهالى الضبعة، يعتبرونه الدافع الرئيسى لهم، الذى دفعهم ليلة السبت 14 يناير الماضى، لإلقاء الديناميت على مجموعة مبانٍ تابعة لهيئة المحطات النووية، منها مبانى الرصد الزلزالى، ومعامل القياسات المشعة، وجراجات سيارات الموقع، ومبانٍ إدارية، و110 عمال فى الموقع. يحكى مستور أبوشكارة منسق اللجنة الشعبية لأهالى الضبعة، وقائع ليلة اقتحام الأهالى للموقع، بعد 45 يوماً من اعتصام الأهالى، الذين لم يلتفت أحد من المسئولين لمطالبهم، ويقول: «صحيت فجأة على صوت الديناميت بتاع الصيادين، وهما بيفجروا مبانى الطاقة وبيقولوا إحنا لازم نهد لهم بيوتهم زى ما هدوا بيوتنا». ويضيف «أبو شكارة» إن «مطالب الأهالى يوم الجمعة 16 ديسمبر 2011 لم تتعد الحصول على إذن من هيئة الطاقة بزرع أراضيهم فى الفترة التى تسبق بدء إنشاء المحطات النووية»، رافضاً وصف تلك الأحداث بالاقتحام، وقال: «بدأت الاشتباكات عندما أقدم أحد ضباط الجيش على (سب الدين) لأحد المعتصمين ثم ألقت قوات الشرطة الحجارة على الأهالى الذين ردوا بدورهم بإلقاء الحجارة على الجيش، وبدأت الاشتباكات التى تطورت لإطلاق أعيرة نارية فى الهواء من جانب الجيش، فرد الأهالى بالديناميت». كانت رواية «أبوشكارة» مطابقة لما ذكره الدكتور خليل ياسو، الرئيس التنفيذى لهيئة المحطات النووية، فى تقرير قُدم أبريل الماضى لمجلس الشورى، روى من خلاله وقائع يوم اقتحام الأهالى للموقع، مؤكداً سحب القوات المسلحة لقواتها عقب الاشتباكات التى استخدم الأهالى فيها المفرقعات، وإحلال عناصر الشرطة المدنية لتأمين الموقع. وحصلت «الوطن» على نسخة من محضر «يعود تاريخه إلى 22 يناير 2012، وهو بعنوان «سرى جداً»، وتضمن نتائج التنسيق بين قيادة المنطقة الشمالية العسكرية، وأهالى المدينة وممثلى هيئة المحطات النووية ومحافظة مطروح، حول الحلول المقترحة الخاصة بالمحطة النووية بالضبعة، وخلص إلى تشكيل لجنة عليا مستقلة بمعرفة مجلس الشعب لبحث واتخاذ القرار فى إنشاء مشروع محطة الضبعة النووية، وتشكيل مجلس يمثل الملاك الحقيقيين وواضعى اليد للمساحة الداخلية لمحطة الطاقة النووية بالضبعة، للتعهد بتنفيذ قرارات لجنة مجلس الشعب، مع دراسة خيار البحث عن مكان آمن بديل لإقامة المشروع عليه، ودراسة إمكانية تقليص المساحة للحد الأدنى لإقامة محطة الطاقة النووية. وتشير المخاطبات الرسمية التى حصلت «الوطن» أيضاً على بعضها إلى أن القوات المسلحة هى المسئول الأول عن تأمين موقع الضبعة، ففى عام 2010 وجه وزير الكهرباء خطاباً، إلى المشير محمد حسين طنطاوى يطالبه فيه بتولى وزارة الدفاع مسئولية خطط الحماية والتأمين لموقع الضبعة، وفقاً لتوجهات الرئيس السابق حسنى مبارك، وكشفت مخاطبات بين الرئيس التنفيذى للمحطات النووية، واللواء نبيل فهمى قائد المنطقة الشمالية العسكرية، قبل اقتحام الموقع ب13 يوماً، ضرورة تأمين الموقع لتوقعهم اقتحامه، فى ظل أحداث 25 يناير. ويطالب أهالى الضبعة بمحاسبة المسئول عن تأمين الموقع الذى لم يقم بواجبه فى حماية المواد المشعة، التى أُعلن عن اختفائها وجرى اتهام أهالى الضبعة بسرقتها، حيث جاء فى تقرير الرئيس التنفيذى للمحطات موجهاً إلى الدكتور محمد إبراهيم، رئيس مركز الأمان النووى، بتاريخ 18 يناير 2012، الآتى: «برجاء التفضل بالإحاطة بأن العاملين فى هيئة الطاقة النووية زاروا معامل القياسات المشعة بالضبعة لتفقد حالة المصادر المشعة، فتبين أنه تم فقد خزينة تحتوى على المصادر النقاطية المشعة ووجود خزينة للمصادر المشعة مكسورة ووجود أربعة عناصر خارج الخزينة ومكسور غلاف الحماية الخاص بها، وتم التعرف على عنصر البولونيوم والاسترانشيوم بها، بجانب وجود خزينة كانت تحوى مصادر مشعة مكسورة ولا يوجد بها هذه المصادر». وفى 24 يناير الماضى وجه الدكتور السيد العربى، رئيس هيئة الطاقة الذرية، مذكرة إلى الدكتور حسن يونس، وزير الكهرباء والطاقة، يعرض فيه نتائج تفقد فريق عمل مختص بمجالات الوقاية الإشعاعية ومعالجة النفايات المشعة للمعامل المشعة فى 19 يناير الماضى، للوقوف على المخاطر الناجمة من فقدان هذه العناصر، وأجرى الفريق عمليات المسح الإشعاعى اللازمة لمنطقة المعامل وتحلية المياه وبعض الأماكن التى يفترض وجود مواد مشعة بها، وأسفرت عمليات المسح، وفق المذكرة الرسمية، عن عدم وجود تلوث إشعاعى وأن جميع المناطق ذات مستوى إشعاعى قاعدى - منخفض - والعثور على عبوة واحدة من مادة «الاسترنشيوم» المشع ذات نشاط منخفض جداً، وبالتالى، وفق المذكرة، لا تمثل المادة أية خطورة على البيئة المحيطة أو الجمهور. وأضافت المذكرة أنه تم إخطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن طريق البريد الإلكترونى بملخص ما تقدم وفقاً لالتزامات مصر الدولية من خلال اتفاقية الإبلاغ المبكر وطلب المساعدة فى حالات الطوارئ النووية والإشعاعية، مؤكدين عدم وجود تلوث إشعاعى بأى درجة أو مخاطر إشعاعية بشأن البيئة.