هناك ورم إخوانى خبيث اسمه «الانقلاب» ومرض آخر مزمن لا شفاء منه اسمه «30 يونيو»!، وفى المقابل هناك فيروس انتشر بسرعة فى الأيام الأخيرة بعد خطبتى «العادلى ومبارك» فى المحكمة اسمه «مؤامرة 25 يناير»! وتتشكل الآن فى البلد جماعات انتقامية ساخطة -تعانى من مرض يشبه مرض الإخوان- مهمتها الترويج لفكرة أن ما حدث فى 25 يناير لم يكن ثورة، ولكن مؤامرة، ويبدو الأمر فى النهاية، وكأن هناك فى البلد صراعاً بين ثورتين أو بين مؤامرتين لن يرتاح أىٌّ منهما، إلا بالقضاء على الآخر! وفى البداية، نسجل أن لهذا البلد دستوراً يقول إن ما حدث فى يناير ثورة وإن يونيو جاء بثورة أخرى تكمل أو تصحح مسار الأولى. والسؤال الأهم الآن فى ظنى أيّاً ما يكون اسم ما جرى من يناير 2013 حتى الآن هو.. ماذا استفاد المصريون مما حدث؟ وإذا كان هدف أى ثورة أو انقلاب أو انتفاضة هو التغيير للأفضل.. فهل تغيرت أحوالنا للأفضل، أو هى فى سبيلها لأن تكون أفضل مما فات؟! فى التاريخ هناك ثورات كبرى أحدثت تغييرات هائلة فى حياة البشر، ومع ذلك لم يكونوا مشغولين وقتها بإعطائها أسماءً.. العبرة دائماً بالنتائج.. الثورة الثقافية فى الصين، وثورة الصناعات الصغيرة فى شرق آسيا، وثورة التعليم فى كوريا الجنوبية.. إلخ!، وعندما وقعت فى مصر ثورة 1952 كانت اسمها -فى البداية- «حركة الجيش المباركة»، ولم تصبح ثورة إلا بعد التغييرات العميقة التى أحدثتها فى المجتمع وظهرت نتائجها الملموسة فى حياة الناس. وفى مصر بالذات نحن نحب أن نطلق على كل شىء ثورة، وللأسف فإن معظمها لم يكن كذلك، ثورة 15 مايو التى أطاح بها «السادات» كل حرس يوليو القديم أشاعوا وقتها أنها جاءت لتقضى على الدولة البوليسية، ثم بعد سنوات قليلة عادت الدولة البوليسية فى أبشع صورها عندما اعتقل «السادات» كل رموز السياسة والصحافة والثقافة وساق طلاب الجامعة إلى السجون! والثورة الحقيقية لا تتحقق إلا عندما تنقل المجتمعات من حال إلى حال أفضل. فى إيران حدثت ثورة على الشاه ركبها آيات الله.. ماذا حدث؟! وفى أفغانستان ثار «طالبان» ومعهم من سموا أنفسهم «مجاهدين» على الوجود السوفيتى، ثم خرج السوفيت وحكمت طالبان ومعها بن لادن ومجاهديه.. فماذا حدث؟! وفى مصر خرج الناس فى 25 يناير يرفضون الظلم والتوريث والفساد، ثم جاء المجلس العسكرى ومن بعده ركب الإخوان.. فماذا حدث؟! ورأيى أن معركة «25 يناير - 30 يونيو» هى خناقة عبثية لن تحقق بطولة لأحد، والمشكلة أننا جميعاً نعرف الحقيقة الساطعة، ولكننا لا نريد الاعتراف بها، ويُفضّل أصحابها أن يطلقوا عليها المسميات التى تريحهم نفسيا: «ثورة.. انقلاب.. مؤامرة»! أما الحقيقة الوحيدة المؤكدة منذ البداية فهى أنه لولا الجيش ما كان «مبارك» سيرحل بهذه الطريقة، ولا كان الإخوان سيتسلمون الحكم من المجلس العسكرى بعد أن «صاغ لهم» تعديل 19 مارس غير الدستورى الذى جاء ببرلمان الإخوان وبحكومة الإخوان وبدستور الإخوان، ثم انتهى بحكم الإخوان!، ولولا الجيش أيضاً ما كان «مرسى» ومعه كل فصائل الإرهاب السياسى المتأسلم سيرحلون أو يهربون أو يسجنون بهذه الطريقة! وأنا أشعر بالشفقة على كل المتباكين رافعى شعار «يسقط حكم العسكر» عندما أنظر ببساطة إلى تاريخ مصر القريب من محمد نجيب إلى «السيسى» لأجد أن الجيش المصرى كان حاضراً طول الوقت فى خلطة مصرية عمرها 60 عاماً توغّلت فى السياسة والاقتصاد والمجتمع وفى الحكم من رئيس المصلحة الحكومية إلى المحافظ والوزير حتى إنه فى وقت ما كان وزراء الخارجية والتعليم والثقافة والإعلام.. كلهم من خلفيات عسكرية. والعجيب فى الخلطة المصرية أن عملية ما يسمى ب«عسكرة الدولة»، لم تكن كلها كارثية، ففى حين كان هناك الضابط كمال الدين حسين الذى وضع حجر أساس فساد التعليم المصرى قبل 60 عاماً كان هناك ضابط آخر هو ثروت عكاشة، أفضل وزير ثقافة فى تاريخ مصر! إن ما تشهده مصر منذ 25 يناير، مروراً ب30 يونيو وحتى الآن هو عاصفة هائلة ومخاض لولادة كبيرة.. سمّوها ثورة.. «انتفاضة أو حنفى أو زينب».. ليس المهم من قاموا بها.. ولكن المهم ما سيحدث يحدث بعدها!!