أين تكمن المشكلة بالضبط؟ فى الغرب «الحر»، الذى يباهى ب«حريته» ويراكم عليها كل طفراته العلمية والسياسية والاقتصادية والفنية، الغرب الذى نتطلع إليه بكل شغف القابع/القانع ب«تخلفه».. أم فينا نحن المسلمين، أصحاب آخر وأعظم رسالة سماوية، العارفين، الذاكرين الله فى خشوعنا وثرثراتنا، فى جدنا وهزلنا.. يقول اللص وهو ذاهب ليسرق: «يا مسهل»، ويقول العالم المثقف مستفتياً علمه: «وفوق كل ذى علم عليم». أين تكمن المشكلة: فيهم أم فينا.. فى الذى أساء ويزعم أن لديه من الحرية ما يبرر به إساءاته.. أم فيمن يعرف قيمة «مقدسه» ولديه من قوة الحق ما يمكنه من الرد على شطط الحرية.. ونسفها من جذرها إذا أراد؟ يقول الغرب إن «الحرية» تاجه الموشى بقصص وحكايات آلاف وآلاف من الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم فى سبيلها، يقول إن قطار الحرية لا يقف عند «مقدس» يخصهم أو يخص غيرهم، وتحت شعار «أنسنة المقدس» تجرأوا على كل أنبياء الله، بمن فيهم «المسيح» عليه وعلى كل الأنبياء السلام، وتجرأوا على «الله» نفسه.. فحاشا لله وعز جلاله، ونستغفره لأنبيائه ورسله. ماذا فعلنا.. وماذا نحن فاعلون؟ الحرب هذه المرة ليست جبهة وخصمين، بل فكر يواجه فكراً، وقوة حق تواجه عنفوان الصورة و«غباءها» وتواطؤها، ونص مطلق يواجه قيمة نسبية. هذه إذن حربنا نحن وعلينا أن نكسبها.. كيف نكسبها؟ إذا كان الغرب يعتقد أن لديه من الحرية ما يعطيه الحق فى الإساءة للرسول «محمد» صلى الله عليه وسلم.. فلدينا من الأدب والتواضع والثقة ما يجعلنا نرد الإساءة من دون أن نتورط فى إساءة مماثلة، نحن لا نملك نفوذهم ولا طغيانهم وبأسهم على غيرهم، لكننا نملك الحق والحقيقة، نملك «إسلاماً» تعلمنا منه أن نحترم الجميع: ديناً وجنساً وعرقاً، وأن نؤمن بكل من اصطفاه المولى عز وجل، من «إبراهيم» إلى «عيسى ومريم» عليهم وعلى نبينا السلام. فيلم يسىء إلى الرسول!! هذا ليس جديداً علينا وعليهم، ثمة أفلام وإساءات أخرى كثيرة: سابقة ولاحقة، ما دام فى قلوبهم غل وفى نفوسهم «عقدة» لا أحد يعرف من أين بدأت وإلام ستنتهى، وثمة -فى المقابل- مستشرقون لهم وزنهم خاضوا فى لحم الإسلام وبحثوا فى سير عظمائه ولم نغضب، لأن إسلامنا ونبينا وتاريخنا الحافل علمونا أن نحترم جهدهم واجتهادهم، ونرد مواقفهم -حتى أشدها غرضاً ومكراً- بما هو حق وحقيقى. فيلم تافه ورخيص، أقام قيامة بعض الغيورين على إسلامهم ونبيهم، فحطموا وقتلوا ورفعوا أصواتهم مهددين، ولهم بعض العذر.. لكن هذا ليس حلاً ولا رداً، يكفى فقط أن نكون أكثر أدباً وسخاءً، وأن نقفز على صفاقتهم وسفالتهم ونفتح كتابنا لنتأمل بعض -وليس كل- حقائقه. لا «محمد» ولا رسالة «محمد» ولا أمة «محمد» يحتاجون إلى دفاع؛ «محمد» أعظم وأسمى من أن يوضع فى مواجهة مع «سافل» قدم فيلماً «سافلاً» لا يميز بين الحرية وقلة الأدب، ونحن هنا فى هذه الفرصة لنقول لأنفسنا قبل الغرب وقبل كل سفهائه إننا «أحرار» بكل ما فى قلوبنا من إيمان، وما فى نفوسنا من تواضع، وإن احترام «المقدس» حتى إذا كان نقيضاً لنا أهم كثيراً من زهو هذا «الغرب» بحريته، وافتئاته بها على غيره. لماذا تفتح «الوطن» ملفاً كهذا؟ لنرد الإساءة؟.. أبداً. ليقرأه سفهاء الغرب؟.. فليذهبوا إلى الجحيم. لماذا إذن؟ لننفض عن أذهاننا صغائر الدنيا ونزهو ب«نبينا»، فلولاه.. لولا خلقه العظيم.. ما كنا أمة مستهدَفة. محمود الكردوسى