على الرغم من إعلانى التزام الحياد بشأن مرشحى الرئاسة وتمسكى بعدم الإفصاح عمّن سأنتخب، طالبنى العديد من المواطنات والمواطنين بتسجيل رأيى بوضوح فى المطلوب من الرئيس القادم والكيفية التى يمكن بها تحديد معايير موضوعية للمفاضلة بين المرشحين، واحتراماً لهذا، أبدأ من اليوم فى تدوين مجموعة من الملاحظات حول انتخاب الرئيس. تحتاج مصر، وبعد معاناتنا الطويلة مع الرئيس الحاكم الفرد مطلق الصلاحيات الذى أخضع الدولة وسيطر عليها، لرئيس قادر على الالتزام بالآليات الديمقراطية وبدولة المؤسسات وبالشفافية وحكم القانون. تعنى الآليات الديمقراطية أن ينظر الرئيس لنفسه كموظف عمومى منتخب ومسئول أمام الناخبين، وأن يقبل بمبدأ المحاسبة، وأن يضطلع بدوره ومهامه كلاعب أول فى فريق تنفيذى (الحكومة) يشترك معه، وأن يتعامل مع السلطتين التشريعية والقضائية انطلاقاً من احترام استقلاليتهما وقبول اختصاصهما فى الرقابة عليه. أما دولة المؤسسات والشفافية وحكم القانون فتشير معاً لاحتياجنا لرئيس لا ينفرد بالقرار ولا يعمل فى الخفاء دون أن نعلم عنه الكثير ولا يتجاهل القوانين المعمول بها فى الدولة. تريد مصر رئيساً يعتمد على الجماعية فى صناعة القرار (وليس فقط مع دائرة صغيرة من المستشارين والمحاسيب) ويمارس الشفافية ويكون فى عمله وحياته الخاصة مثالاً يحتذى فى إعلاء شأن حكم القانون وإعادة الجوانب الإنسانية والأخلاقية للسياسة. تحتاج مصر لرئيس يمتلك القدرة على ترجمة الرؤية والشعارات والمبادئ التى يعلن عنها لبرامج سياسات عامة وخطط تنفيذية، وأن يتحدث مع الناخبات والناخبين بشفافية حول احتمالات النجاح والفشل. يسهب المرشحون، وهو أمر متوقع، فى الحديث عن تحقيق التنمية المستدامة والتحول الديمقراطى والعدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر والعوز والبطالة. أما المسكوت عنه فى أغلب برامج المرشحين الانتخابية هو حزمة السياسات العامة المطلوبة للتنفيذ ومصادر التمويل والثمن المجتمعى الذى يتعين علينا تحمله والفترة الزمنية المتوقعة. يصعب انتخاب مرشح للرئاسة يكتفى بعموميات الشعارات والمبادئ ولا يطلعنا على برنامج ال100 يوم بعد الانتخاب وبرامج الفترة الرئاسية من عامها الأول إلى الرابع. تحتاج مصر لرئيس يستطيع الحوار مع كافة الأطراف والقوى السياسية والمجتمعية، ويستند فى حواراته حول القانون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحريات إلى ضرورة دفع مصر لبناء دولة عصرية ديمقراطية ومجتمع حر ومتوازن. لا نحتاج لرئيس يعادى الإسلاميين أو ناقم على الليبراليين، بل نريد رئيساً قادراً على إيجاد تفاهمات وتوافقات دون حواجز أيديولوجية أو سياسية. تحتاج مصر أيضاً لرئيس يستطيع بالتعاون مع البرلمان إدارة العلاقة مع المؤسسة العسكرية على نحو يخرجها تدريجياً من معادلة السياسة التى هيمنت عليها منذ 1952. تحتاج مصر لرئيس يثق المواطن فى أنه سيغلب اعتبارات المصلحة الوطنية على كل ما عداها.. نعيش فى محيط إقليمى أفريقى وعربى وشرق أوسطى يواجهنا بتحديات خطيرة ويعرض علينا بعض الفرص. لن تحتمل مصر رئيساً يقارب المحيط الإقليمى باعتبارات أيديولوجية أو يغلب قناعاته الشخصية والسياسية (أبداً لن أزور إسرائيل أو أبداً لن أتدخل فى سوريا) على مقتضيات المصلحة المصرية.