4عوامل أساسية تدفع إسرائيل إلى الاطمئنان على علاقتها بمصر خلال المرحلة المقبلة، فى مقابل عاملين اثنين يثيران القلق بشأنها هما تعديل اتفاقية السلام والعلاقات المتطورة مع روسيا، هكذا تؤكد وسائل الإعلام الإسرائيلية فى تقييمها للمرحلة المقبلة مع وصول المشير السيسى شبه المؤكد للرئاسة، أخذاً بعين الاعتبار أن تل أبيب لا يشغلها من سيحكم مصر وهل يشبه عبدالناصر أم السادات، وهل يحبه المصريون أم لا، لأن المؤثر الرئيسى بالنسبة لها هو رؤيته للعلاقات مع إسرائيل. والحقيقة أنه بالمعطيات الحالية فإسرائيل لديها ما يطمئنها ولديها أيضاً ما يخيفها فى مستقبل علاقتها السياسية مع مصر بعد تولى المشير السيسى الحكم حسب تقديراتهم، ويأتى ذلك فى ظل عدد من الملفات المفتوحة منذ ثورة 25 يناير وثوابت فى العلاقات لم تتغير رغم تغير الأنظمة السياسية خلال السنوات الثلاث الماضية. واتخذت إسرائيل خطوات فعلية لترسيم ملامح علاقتها بمصر بتجهيز 7 خبراء لتولى هذا الملف منهم أربعة سياسيين من بينهم سفير إسرائيل السابق فى مصر تسفى مزائيل الذى أعد ورقة بحثية يحلل فيها طبيعة العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، مروراً بمبارك، ومن بعده محمد مرسى، حتى الآن، وتساءل خلالها: فى أى ظروف ستسمح إسرائيل ببقاء قوات مصرية على الحدود معها بما يخالف معاهدة «كامب ديفيد»؟ ومن ضمن السياسيين المسئولين عن الملف أيضاً جدعون بن عامى، السفير الإسرائيلى الأسبق فى مصر، وثلاثة جنرالات لم تورد أسماءهم، ومن المرجح أن تختبر إسرائيل علاقتها بمصر من خلال عملية عسكرية على غزة، أو حتى على الحدود المصرية، لقياس رد الفعل المصرى. العلاقات المصرية الإسرائيلية أصبحت أمراً واقعاً يوم توقيع اتفاقية كامب ديفيد فى 17 سبتمبر عام 1978 وأصبحت مشروطة وموثقة بتوقيع معاهدة السلام فى 26 مارس عام 1979 بواشنطن، ومنذ ذلك الحين اتخذت شكلاً جديداً وبدأ تدريجياً تحييد مصر عن الصراع العربى الإسرائيلى وهو ما وجدت فيه إسرائيل انتصاراً حقيقياً لم يكلفها طلقة واحدة، ووجدت فيه بعض الدول العربية تخلياً مصرياً عن القضية الفلسطينية ولاقت مصر بسببه هجوماً كبيراً لم تشف منه إلى الآن. وظل الحال هكذا خلال فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات، ولم يتغير كثيراً شكل العلاقات فى فترة مبارك، وبدا واضحاً أن تصريحاته بوقف العدوان على الفلسطينيين وحل القضية الفلسطينية كانت دبلوماسية من أجل تهدئة المجتمع العربى، وبعد ثورة 25 يناير عاشت إسرائيل فترة من التوتر الحقيقى، إذ جهلت مصيرها مع مصر، ولكن توترها لم يدم فترة طويلة بعد المباركة الأمريكية لنظام مرسى، ومن جهة أخرى رأت إسرائيل أن خمول الإخوان تجاه إسرائيل رغم عدائهم الشديد لهم جاء بسبب ضغط الجيش المصرى، ووصفت الصحافة الإسرائيلية العلاقات خلال فترة حكم مرسى بأنها فتور فى الظاهر وتنسيق أمنى وعسكرى وثيق فى الباطن. وما يؤكد ذلك أنه وقت العدوان الإسرائيلى على غزة فى نوفمبر 2012 أدان مرسى بقوة العدوان، مؤكداً أن «مصر اليوم مختلفة عن الأمس وأن الثمن سيكون باهظاً فى حال استمرار العدوان»، واستقبل عدداً من قادة حركة حماس فى مصر وفى مقدمتهم خالد مشعل، وفتح المعابر على مدار الساعة لمساعدة أهالى غزة وسحب السفير المصرى من تل أبيب فى إشارة واضحة إلى توتر العلاقات الدبلوماسية وهو التصرف الذى علقت عليه إسرائيل فى وقتها بأنه ليس الأول من نوعه. وبعد ثورة 30 يونيو التى التزمت إسرائيل الصمت حيالها كعادتها، بدا واضحاً أن ابتعاد الإخوان عن الحكم يصب فى مصلحة إسرائيل التى كانت ترى فى وصول الإسلاميين للحكم وتواصلهم القوى مع حركة حماس فى غزة تهديداً حقيقياً لها؛ خاصة بعد التسهيلات التى منحها مرسى للجهاديين والحمساويين فى الدخول لسيناء، وهو ما كان مرعباً بالنسبة لإسرائيل. وحسب تصريحات البروفسور الإسرائيلى يورام ميتال، رئيس مركز حاييم هرتسوج لأبحاث الشرق الأوسط فى جامعة بن جوريون، فى جريدة يديعوت أحرونوت، فإن «مرسى على علاقة قوية مع حركة حماس، ويمكن أن يسبب انتكاسة قوية فى العلاقات بين إسرائيل ومصر، وربما ذلك أيضاً ما جعلها تنسق بعد عزل مرسى مع الجيش المصرى وتقبل بدخول قوات تزيد على المسموح به وفقاً لمعاهدة السلام فى سيناء من أجل المساعدة فى محاربة الإرهاب خلال الأشهر الماضية». وشهدت العلاقات بين البلدين الفترة الماضية بعد عزل مرسى تخفيضاً فى الجانب الدبلوماسى، حيث رحل السفير الإسرائيلى السابق يعقوب أميتاى، واكتفت السفارة الإسرائيلية بوجود الوزير المفوض «أرييل تشوفسكى» والقنصل الإسرائيلى «جولان يهودا» ونحو ثلاثة أو أربعة من موظفى السفارة، ولكن يبدو أن العلاقات الدبلوماسية ستشهد خلال الأيام المقبلة نمواً كبيراً، وهو ما يفسر قدوم السفير الإسرائيلى «حاييم كورين» قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية المصرية. ولو حاولنا رصد المعطيات التى تطمئن إسرائيل على مستقبلها السياسى مع مصر فسنجد أربعة عوامل، أولها: المزاج العام للمصريين، حيث تتابع بشغف الجمهور المصرى ولاحظت أن العدوان المصرى عليها أو مهاجمتها ليس إرادة شعبية بسبب الانشغال بالهموم الداخلية، فضلاً عن الحالة الاقتصادية السيئة التى ستشل حركة الرئيس الجديد وستجعله لن يتخلى بسهولة عن علاقته بالولايات المتحدة وهو ما وجدت فيه إسرائيل أمناً لها، أما ثالثها فهو التباعد المصرى الإيرانى بسبب موقف طهران من عزل الرئيس مرسى والتباعد المصرى التركى لنفس السبب، وبعد وصول المشير السيسى للحكم فسيكون المكلفون بإدارة ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية، حسب الرؤية الإسرائيلية، هم الجيش والمخابرات العامة ووزارة الخارجية، وهى نفس الجهات التى كان منوطاً بها هذا الملف والتى لم تغير كثيراً من سياستها تجاه إسرائيل خلال العقود الماضية. ورأت «يديعوت أحرونوت» أن العلاقات ستستمر مثلما كانت عليه لمواجهة الإرهاب وأمن الحدود، مشيرة إلى أن إسرائيل تتوقع تدهور الأوضاع الأمنية على الحدود المصرية الإسرائيلية، وهو ما عبّر عنه وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه يعلون إبان زيارته لألمانيا منذ أسابيع، مؤكداً أنه بعد إعلان نتيجة الانتخابات وفوز المشير السيسى ستبدأ التنظيمات الجهادية فى عملها. أما إذا انتقلنا إلى ما يخيف الدولة العبرية ويوترها ويهدد أمنها، على حد وصف الساسة الإسرائيليين، فالسبب ليس كما يعتقد الكثيرون وقف تصدير الغاز، ولكن التقارب المصرى الروسى، خاصة بعد صفقة الأسلحة التى عقدها المشير السيسى منذ فترة، وزادت مخاوفهم ووصلت لدرجة الهلع بعد صفقة الطائرات الروسية «ميج 35» التى سببت الرعب لدى تل أبيب. وثانى مخاوف الدولة العبرية التوترات المصرية الأمريكية بسبب إصرار إدارة أوباما على معاقبة القاهرة بعد عزل الرئيس مرسى، وهو الاتجاه الذى ترفضه بعض التيارات داخل أمريكا نفسها، وما يخيف إسرائيل أن تتوجه مصر نحو دعم علاقاتها مع روسيا والصين بشكل يسمح لها بالتحرر نهائياً من واشنطن، ولهذا طالب إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلى ووزير الدفاع الأسبق، الرئيس الأمريكى باراك أوباما بتقديم المساعدات والدعم الكامل لمصر التى ثار شعبها ضد جماعة الإخوان. وأضاف باراك، خلال محاضرة ألقاها بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى خلال زيارة قام بها للولايات المتحدةالأمريكية، أنه شعر بسعادة غامرة عقب خروج المصريين فى مظاهرات بالملايين ضد حكم الرئيس محمد مرسى المنتمى لجماعة الإخوان المتطرفة فى موقفها ضد إسرائيل، وأنه شعر بارتياح كبير عقب تدخل الجيش المصرى وعزل مرسى بناء على رغبة المصريين، وأثنى باراك على تصريح السيسى بأنه سيحمى معاهدة السلام، ولكن ارتياح باراك وإسرائيل لم يدم طويلاً، حيث خرج المشير السيسى فى لقاء بقناة «سكاى نيوز» وأكد أنه من الممكن أن يعدل بعض بنود اتفاقيات كامب ديفيد حتى يستطيع حماية سيناء من الإرهاب ويستطيع الجيش أن يدخل بقواته ليؤمّن مصر، ومن المرجح أنه فى هذه الحالة ستشعر إسرائيل بالقلق وربما ستنتهز الأمر وتقبل تعديل الملحق الأمنى بالاتفاقية مقابل دور مصرى أكبر فى ضبط الحدود بين البلدين، وتدرك إسرائيل أن السيسى سيراعى، حال توليه الرئاسة، تحفظات الرأى العام المصرى ومؤسسة الجيش على التطبيع مع إسرائيل، وأنه سيحاول أن يبرهن على أنه القائد الذى أجبر إسرائيل على تعديل اتفاق السلام دون أن يدخل حرباً معها.