سألنى أحد القراء: لماذا أطلقت عليه الصقر المجهول؟ ألم يكن من الأولى أن تطلق عليه الفأر المهزوم أو الهارب باعتباره أول من ترك السفينة تغرق وفر هارباً؟ ألا تعلم أن الفئران هى أول من يفر من السفن الغارقة، ثم يدارى الفأر الرعديد بعد ذلك تخاذله وفراره بإرسال بيانات البطولة التى يناشد فيها أتباعه بالثبات والاستمرار فى الجهاد؟! نعم، صدق صديقى القارئ، هو الفأر الهارب وليس الصقر المجهول، هذا بالنسبة لنا، ولكنه بالنسبة لجماعته هو صقر، وهو عند جمهورهم وقواعدهم مجهول، هو أحد من يصيغون الجماعة فكرياً دون أن يراه أحد، وهو رجل مخابراتهم، ورجال المخابرات لا يظهرون، والأمر يخضع لنظرية النسبية. ولكى تعرف حقيقة ما أقول فإننى مثلاً عندما كنت فى جماعة الإخوان كنت أرى بعضهم عمالقة، وبعد سنوات من خروجى من الجماعة وعندما شاء الله لى أن أجرى عملية «تصحيح نظر» رأيت هؤلاء العمالقة أقزاماً. نعود إلى بداية هذا الصقر أو الفأر فى الحياة، تلك الحياة التى سيحيلها بعد ذلك كهفاً للتطرف والتكفير والإرهاب. ولد محمود حسين لأم فلسطينية فى فلسطين وعاد به أبوه المصرى بعد عام 1967 ليعيش فى رفح المصرية، ومنها انطلق هو وأسرته إلى أسيوط ليلتحق بكلية الهندسة، لم تكن ل«حسين» علاقة فى السبعينات بالعمل الطلابى أو السياسى، كما لم يعرفه أحد مهتماً بالعمل الإسلامى، فقد كان يعيش «جنب الحيط» كما وصاه أبوه، فكان أن ابتعد عن كل أشكال النشاط الإنسانى مخافة أن يتأخر فى دراسته، وعن طريق أحد أصدقائه التقى بمصطفى مشهور الذى كان يجوب محافظات مصر ليشكل من خلال جولته تنظيماً إخوانياً خاصاً به هو وحده دون غيره، أو قل كان يقيم لنفسه دولة داخل الدولة وفريقاً داخل الفريق وتنظيماً داخل التنظيم، وكان رجاله آنذاك هم محمود عزت ومحمد بديع ورشاد البيومى وجمهرة من السريين. وضع «مشهور» محمود حسين تحت الاختبار الإخوانى فترة طويلة، ووجده مطيعاً طيعاً ليناً، فضمه إلى رجاله وأوكل أمره إلى محمود عزت الذى أصبح لفترات طويلة مسئوله المباشر ونقيبه وولى أمره فى الجماعة، ومن بعد حمل محمود حسين متاعه وحط فى أمريكا يبحث فيها عن الدكتوراه. وبعد عودته إلى مصر بعد وفاة عمر التلمسانى، والملاحظ أن كل رجال «مشهور» عادوا من الخارج بعد وفاة «التلمسانى» مباشرة، أوفده «مشهور» إلى أسيوط ليتم انتخابه مباشرة كعضو بالمكتب الإدارى بها رغم أن أحداً من الإخوان لم يكن يعرفه هناك، ورغم أن القواعد الإخوانية كانت توجب إسناد هذه العضوية لمن أقام لفترات طويلة فى البلد وتعرف كل الإخوان بها وهو الأمر الذى افتقده محمود حسين، ولكن الفيزا الخاصة بمصطفى مشهور تتيح لصاحبها سحب أى رصيد وإضافة أى منصب لمن يحملها. وبعد فترة قصيرة، ظهر محمود حسين بدور أكبر، ويبدو أن مهمته التى نجح فيها فى أمريكا حين أطاح بهشام الطالب كانت نصب عينيه حين تولى بعد ذلك بسنوات رئاسة المكتب الإدارى لأسيوط، وأصبح بعد نجاحه فيها أحد أهم رجال المخابرات الإخوانية أو قل هو رئيس المخابرات فى جماعة الإخوان. وبعد وفاة أبوالحمد ربيع، الشيخ الإخوانى الذى كان عضواً بمكتب الإرشاد، جاءت الفرصة تتهادى لمحمود حسين، فأبو الحمد ربيع كان ممثلاً لجنوب الصعيد فى مكتب الإرشاد وآن الأوان لكى يترقى محمود حسين، لذلك قام محمود عزت بالدفع بصاحبه ورفيقه إلى عضوية المكتب بالتعيين متجاوزاً آخرين لهم شعبية إخوانية كبيرة، ورغم عضويته لمكتب الإرشاد فإنه ظل مجهولاً للرأى العام لا يعرفه أحد حتى إن معظم أفراد جماعة الإخوان أنفسهم لا يعرفونه. ولأن الإخوان كانوا يعيشون فى معية «فقه المحنة»، فإن السجن بالنسبة لهم هو بوابة العبور للمواقع القيادية الكبيرة، فكما يقولون فى أدبياتهم وأعرافهم: «إن الذى لم يسجن ما زال اسمه مكتوباً بالقلم الرصاص»، لذلك أصبح محمود حسين صاحب اسم فى الجماعة مكتوب بالمداد الجاف بعد أن تم سجنه أكثر من مرة، كان أولها فى قضية عام 1995 وكان وقتها ولا يزال مجهولاً لدى الناس، وقد حصل وقتها على أخف الأحكام «ثلاث سنوات»، ومن بعدها تم اعتقاله مرة واحدة على ذمة إحدى قضايا الإخوان، وبذلك أصبح جديراً بمنصب رفيع فأصبح قبل ثورة يناير الأمين العام للجماعة خلفاً للصامت الشرير محمود عزت. أما المهام التى أسندت لمحمود حسين الأمين العام للجماعة فكلها مهام استخبارية، كان أولها إنشاء قسم يختص بتحليل المعلومات، ثم تدريب بعض الكوادر على الانضمام لأحزاب وكيانات سياسية مختلفة التوجهات لتتجسس عليها وتنقل للجماعة كل ما يتعلق بتحركاتها وتحالفاتها، ثم وضع مخطط تفصيلى لأخونة كثير من مؤسسات الدولة وخاصة مؤسسات الشرطة والرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات، وكان هذا المخطط قد بدأ منذ سنوات، ولكن فى عهد محمود حسين تطور الأمر وتنوعت المؤسسات المخترقة. وكان من أدوار محمود حسين المساهمة فى إنشاء كيانات ثورية شبابية يبدو فى الظاهر أنها بعيدة عن الإخوان فى حين أنها تعمل بكل جدية لتنفيذ مخططاتهم، ومن لا تستطيع أن تشتريه بالدين تستطيع أن تشتريه بالمال. أما الذى ساعد محمود حسين على كل هذه المهام فهو أنه كان أحد القيادات الإخوانية الكبرى التى عقدت «حلف الشيطان»، وهو الحلف الذى انعقد بين الإخوان وأمريكا، ثم كانت أمريكا هى التى حملت بعد ذلك هذا الفأر ووضعته فى جنوب أفريقيا لمهام ستعهد إليه قريباً.