من منكم يعرف شخصاً يُدعى محمود حسين؟! سيلتفت بعضكم يميناً ويساراً وسيسأل مستفهماً: من هو ذاك؟! سأقول لكم: إنه أحد قيادات جماعة الإخوان وأكثرهم تأثيراً، ولكن كيف يكون شخص بهذا التأثير والرأى العام لا يعرفه بل ولم يسمع عنه قط؟! أقول لكم: إن هذا هو أحد أسرار قوته؛ ففى التنظيمات السرية تكون لقيادات النظام السرى دورها ووظيفتها، ويكون للبعض الآخر وظيفة التعاطى مع الرأى العام وخديعته بالخطاب اللين والتفاعل معه فى شتى المجالات والانتخابات لتقديم صورة زائفة عنه إلى أن يتمكن ويحكم فيُظهر صورته الحقيقية. محمود حسين هو أحد الثلاثة الكبار فى التنظيم السرى، وكان قد فر هارباً إلى قطر ثم إلى جنوب أفريقيا التى استقر مقامه فيها حالياً، تاركاً أفراد جماعته يقاتلون من أجل أن يسترد سيادته وإخوانه الحكم الذى نزعه الشعب منهم، وهؤلاء الأفراد لا يفكرون ولا يتعجبون حتى من اختفاء القادة وتعريضهم هم للقتال، أعرف أن الأفراد يقولون وهماً وتخرصاً: نحن نجاهد فى سبيل الله، ومن مصلحة الدعوة أن يبتعد القادة حتى لا يتعرضوا للخطر، سأسايرهم فى ظنهم الذى فيه يعمهون، ولكن ألا يعرفون أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يتصدر مشاهد القتال فى سبيل الله وهو الرسول النبى صاحب الرسالة، ولم يقل أحد من الصحابة فلتبقَ يا رسول الله فى المدينة بعيداً عن القتال حتى لا تتعرض للخطر؟! أقول هذا فقط من باب فضح فقههم المغلوط وتخاذل قادتهم المفرط. كان محمود حسين هو أحد الصحبة التى هربت قبل الثلاثين من يونيو، هرب معه محمود عزت، الذى أصبح أشهر قادة الإرهاب فى العالم بعد أسامة بن لادن المقتول على يد أمريكا التى ساعدته على إنشاء تنظيمه! لم يتعلم «عزت» الدرس من رأس «بن لادن» الطائر وأظنه لن يتعلم؛ فالغبى يقع فى الخطأ أكثر من مرة، وجماعة الإخوان هى أشهر جماعة فى الكون تضم أكبر مجموعة ممكنة من الأغبياء، وكأن الغباء هو الشرط الأكبر فى الاستمرار فى قلب تلك الجماعة، وكان من ضمن الهاربين أيضاً محمود غزلان، الذى ارتعدت فرائصه ففر هارباً ولم يعقب، أما محمود حسين فهو ذلك الرجل المجهول تماماً للرأى العام والذى لم يعرفه أحد من قبل فلم يحدث أن كتب كتاباً أو ألقى خطبة أو قام بالدعوة العلنية فى وسط الجماهير، لم يكن غريباً أن يصبح ذلك المجهول هو أمين تنظيم الجماعة، فإذا كانت الجماعة سرية فمن الطبيعى أن يقودها مجهول لمصير مجهول، ومن تصاريف جماعة الإخوان أن محمود حسين هذا هو أحد الأبناء الكبار بالتبنى لسيده وتاج رأسه مصطفى مشهور. دخل محمود حسين إلى جماعة الإخوان عام 1978 من خلال مصطفى مشهور، الأب الروحى لتلك المجموعة، و«مشهور» كما روينا عنه من قبلُ يجيد تجنيد الأفراد ويتبع معهم سياسة «الخطوة خطوة»، تلك السياسة التى أجادها وكتب عنها وعن فاعليتها فى أحد كتبه. وبعد أن دخل الوافد الجديد إلى الجماعة وتقلب فى نعيمها الافتراضى، سافر إلى أمريكا من أجل الحصول على الدكتوراه فى أحد التخصصات الهندسية، سافر وهو يحمل خطاب توصية إلى مسئول الإخوان فى أمريكا وقتها عبدالمتعال الجابرى، الذى كان قد سافر قبل «حسين» بأشهر قليلة، ومن خلال منظمة الإخوان الوليدة هناك بدأ التعرف على العمل الإسلامى وأفراده وجنسياتهم، ورأى المنافسة الضارية بين المراكز الإسلامية التى تتبع الإخوان والمراكز الإسلامية التى تتبع المملكة السعودية، فبدأ مع مجموعة من رجال مصطفى مشهور الأوفياء فى تشكيل منظمة إسلامية تضم عدة دول، هى رابطة الشباب المسلم العربى، وفى غضون عام أصبح محمود حسين أميناً عاماً لهذه الرابطة، وقد لا يعرف أحد أن هذه الرابطة كانت هى الغطاء الأول لإخوان أمريكا ومن بعدها خرجت منظمات أخرى مثل «ماس»، التى تعتبر الممثل الشرعى ل«الإخوان» وواجهته الرئيسية هناك. وفى أمريكا، تعرف «حسين» على نشطاء الإخوان من جميع الجنسيات وقامت روابط وثيقة بينه وبين هشام الطالب العراقى الأصل الذى كان مسئولاً لفترات عن إخوان أمريكا إلى أن تمت الإطاحة به بعد ذلك من خلال محمود حسين نفسه؛ فقد كان هشام الطالب لا يستريح لمصطفى مشهور ويرى أن مجموعة النظام الخاص كانت أكبر خطأ ارتكبته الجماعة فى تاريخها، ومثل هذا الرأى طبعاً من الممكن أن يقلص نفوذ «مشهور» داخل التنظيم الدولى إذا أتيحت له الفرصة فى الانتشار، كما أن «مشهور» كان قد بدأ فى إعداد العدة لاستكمال تنظيمه على مستوى العالم، ومثل هشام الطالب يكون فى هذه الحالة حجر عثرة؛ لذلك كان محمود حسين هو أداة البطش التى استخدمها «مشهور»؛ حيث شن حرباً شعواء على هشام الطالب ورجاله، واستخدم فى هذه الحرب كل الوسائل حتى تمت الإطاحة بالرجل بالفعل، وأصبح رجال مصطفى مشهور هم الأوصياء على إخوان أمريكا وأثبت محمود حسين نجاحه الكبير فى مهمته. فى أمريكا، تعرف «حسين» على نشطاء الإخوان من جميع الجنسيات وقامت روابط وثيقة بينه وبين هشام الطالب العراقى الأصل الذى كان مسئولاً لفترات عن إخوان أمريكا إلى أن تمت الإطاحة به بعد ذلك من خلال محمود حسين نفسه