بعد قيام الثورة الإيرانية فى 16 يناير 1979، تم طرح الملف النووى الإيرانى للنقاش على المستوى السياسى، وقررت حكومة الثورة وقف مشروع بوشهر بإعتباره مشروع مكلف فى بلد غنى بالبترول، وقال "آية الله خمينى" مؤسس الجمهورية الإسلامية، أنه من الأفضل استعمال مبانى المفاعل كمستودعات للحبوب. فى هذا التوقيت كانت نسبة الاعمال فى مفاعل بوشهر-1 قد وصلت الى أكثر من 80%، فى حين أن ما تم انجازه فى مفاعل بوشهر-2 كان أكثر من 50%، وكان ذلك بموجب عقد تسليم مفتاح بقيمة 4,3 مليار دولار مع شركة KWU الألمانية، وفى عام 1982 رفضت الشركة الألمانية إكمال المشروع بسبب الضغوط الأمريكية، كما رفضت فرنسا استكمال مشروع بناء مفاعلين قدرة المفاعل الواحد 900 ميجاوات فى دارخوين، رغم انتهاء التحضيرات الهندسية لهذا المشروع. خلال الحرب العراقية-الإيرانية التى بدأت فى 22 سبتمبر 1980وانتهت فى 8 أغسطس 1988، كانت إيران تخوض حرباً دموية مع العراق، لذا لم تحقق الجهود الرامية إلى إعادة إحياء المشروع النووى أى نتائج ملموسة، وقررت الحكومة الإيرانية عام 1984 وقف استئناف العمل فى محطة بوشهر الى ما بعد انتهاء حربها مع العراق. وردا على قذف إيران فى شهر سبتمبر عام 1980 لمفاعل أوزيراك (تموز) العراقى، أصبحت محطة بوشهر الإيرانية هدف عسكرى، فقد هاجم العراق المحطة ست مرات، وقدرت تكاليف الإصلاحات المطلوبة لها بأكثر من 3 مليار دولار. بعد الحرب بقيت إيران محتفظة بالبنية التحتية النووية، سواء الكوادر الفنية والعلمية أو مركز الأبحاث النووى فى جامعة طهران TNRC وبه مفاعل بحثى قدرة 5 ميجاوات TRR يعمل بوقود عالى التخصيب 93%، لكن بعد الثورة الإيرانية أوقفت أمريكا إمداد إيران باليورانيوم عالى التخصيب، الأمر الذى أدى الى إغلاق المفاعل لعدد من السنوات. إذا كانت الدول الغربيةوأمريكا قد قدموا يد العون والمساعدة لإيران فى مجال التكنولوجيا النووية طوال 22 عام، إلا أنهم بعد قيام الثورة الإيرانية، انسحبوا ورفضوا استكمال ما بدأوه وتخلوا عن تعاقداتهم، وعندما اتجهت إيران الى روسيا عام 1992، رحبت بذلك ووقفت بجانب إيران وقدمت لها المساعدات. وهذا لا يعنى ان روسيا قد وقفت بجانب الثورة الإيرانية منذ قيامها عام 1979، فقد تأزمت العلاقات بين روسياوإيران بسبب إحتلال السوفيت لأفغانستان فى25 ديسمبر1979، والدعم الاستخباراتى والمساعدات العسكرية للعراق أثناء حربها مع إيران، وقيام إيران عام 1983 بالقضاء على الحزب الشيوعى الإيرانى، وقد كان شعار الثورة الإيرانية "ثورة إسلامية، لا شرقية، ولا غربية"، واطلقت على الولاياتالمتحدةالأمريكية أسم "الشيطان الأكبر" وعلى الاتحاد السوفيتى اسم "الشيطان الثانى". فى عام 1987 وقعت إيران اتفاقيات مع لجنة الطاقة الذرية الأرجنتينية لتحويل مفاعل أبحاث طهران TRR ليعمل بوقود من اليورانيوم منخفض التخصيب 19.75%، بدلا من الوقود عالى التخصيب 93% الذى امتنعت أمريكا عن توريده لإيران. فى 15 فبراير1989، أعلن الاتحاد السوفيتى انسحاب كافة قواته بشكل رسمى من أفغانستان، وبدأ التحسن النسبى فى العلاقات السوفيتية-الإيرانية، وكانت زيارة "هاشمى رافسنجانى" عام 1989 للاتحاد السوفيتى بداية للعلاقات الطيبة مع السوفيت، فقد أنهت فترة التوتر بين البلدين، وبدأ التعاون بينهما في المجالات الاستراتيجية، وتم التوقيع على بروتوكول تعاون لنقل التكنولوجيا ب 5 مليارات دولار. فى 25 أغسطس 1992، تم توقيع اتفاقيتين للتعاون فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بين روسياوإيران، الاتفاقية الأولى كانت خاصة بإجراء البحوث والدراسات وتدريب الخبراء، والاتفاقية الثانية كانت خاصة ببناء محطة بوشهر النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، بمفاعل روسى WWER-1000 من نوع الماء الخفيف المضغوط PWR بقدرة 1000 ميجاوات كهربى، حيث تم توقيع العقد فى يناير .1995 بدأ العمل فى تنفيذ مفاعل بوشهر أوائل عام 1996، وهى الصفقة التى حصلت فيها روسيا على 900 مليون دولار، وأعلنت إيران أنه ليس لديها الحاجة أو النية للاحتفاظ بالوقود المستهلك، وأنها مستعدة لإعادته إلى روسيا. منذ تولى "فلاديمير بوتين" منصب رئيس روسيا الإتحادية فى7 مايو2000، والعلاقات الإيرانية الروسية فى تحسن مستمر، ومع وجود عدو مشترك "أمريكا"، وتدخله العسكرى فى أفغانستان منذ 2001، وكذا عملياته العسكرية وتواجده فى العراق منذ عام 2003، أدى الى خلق رابطة تعاون بين روسياوإيران ضد طموحات أمريكا التوسعية. أدت الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على روسيا إلى عدم توسع هذا التعاون ليشمل جميع مجالات التكنولوجيا النووية وخاصة تصنيع الوقود النووى وعمليات تخصيب اليورانيوم، كما أدت الى تأخر روسيا فى تنفيذ مفاعل بوشهر لمدة زادت عن سبع سنوات. فى عام 2002، اكتشف أن إيران تقوم بتشيد مفاعل أبحاث قدرة 40 ميجاوات حرارى ويعمل بالماء الثقيل كمهدئ، فى موقع اراك Arak ، وفى5 مايو 2003 قامت إيران بإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تشيد المفاعل سيبدأ فى يونيو 2004، وهذا المفاعل هو البديل لمفاعل أبحاث طهران TRR الذى شيد عام 1967 والمنتهى صلاحيته، وسيشارك بشكل رئيسى فى إنتاج النظائر المشعة للأغراض الطبية والزراعية، ويقولون أن هذا المفاعل بإستطاعته انتاج أكثر من 9 كيلوجرام من البلوتونيوم 239 سنويا، تمكن إيران من انتاج قنبلتين نوويتين سنويا، حيث أن الكمية المطلوبة منه لصنع قنبلة نووية تقدر بحوالى 6 كيلوجرام. فى أغسطس 2002، اكتشف مجمع سرى فى ناتانز (نطنز) Natanz لتخصيب اليورانيوم، وهذا المجمع مخفى ومحمى، وتبلغ مساحته 100,000 متر مربع، مقام تحت الأرض بعمق 8 أمتار، ويحميه جدار خرسانى سمكة 2.5 متر، والمجمع يتكون من قاعتين مساحة الواحدة 25,000 متر مربع، وعدد من المباني الإدارية، والمجمع حاليا خاضع لرقابة مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فى مجمع ناتانز Natanz، توجد محطة لتخصيب اليورانيوم تحت سطح الأرض، ويتم فيها التخصيب بنسبة 3.5%، كما توجد على سطح الأرض محطة لإنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20%، ومحطة التخصيب تتكون من شلالات Cascades للتخصيب، والشلال الواحد يحتوى على أجهزة طرد مركزى من 164 الى 174 جهاز، واليورانيوم المستخدم فى عمليات التخصيب بيكون فى صورة غاز هيكسا فلوريد اليورانيوم UF6 (غاز سداسى فلوريد اليورانيوم). يقولون أن عدد وحدات الطرد المركزى فى مجمع ناتانز Natanz تقدر بحوالى 20,000 جهاز من الجيل الأول IR-1، وهى لا تكفى لسد احتياجات مفاعل بوشهر السنوية من الوقود والتى تقدر ب 30 طن من اليورانيوم المخصب، وللوفاء بإحتياجات مفاعل بوشهر السنوية يجب زيادة العدد ليصل الى 50,000 جهاز. إيران تقوم بتصنيع أجهزة الطرد المركزى محليا، والجيل الأول IR-1 منها هو مشابه لتصميم جهاز الطرد المركزى الباكستانى P1والذى حصلت عليه باكستان سرا من شركة Urenco الألمانية، ومع إدخال التطوير والتعديل تم انتاج أجيال أخرى IR-2 و IR-3 و IR-4 و IR-5 و IR-6 و IR-2m. العضو الدوار فى أجهزة الطرد المركزى الإيرانية مصنوع من الألومنيوم، ويبلغ قطره حوالى 100 ملليمتر، وهو تصميم أوروبى قديم طراز G2، وهذا النوع من أجهزة الطرد المركزى الذى يستخدم الألومنيوم فى تصنيع العضو الدوار تم تصنيعه فى أواخر 1960 وأوائل 1970 بواسطة .Gernot Zippe كفاءة جهاز الطرد المركزى طراز IR-2m تزيد عن كفاءة الجهاز طراز IR-1 بخمس أضعاف، وبإمكان 50 ألف جهاز من من هذا الطراز توفير وقود مخصب سنوى لعدد 6 محطات نووية قدرة الواحدة 1000 ميجاوات. فى مجمع ناتانز Natanz الموجود تحت الأرض، يوجد 77 شلال للتخصيب تحتوى على 12,699 جهاز طرد مركزى، وأجهزة الطرد المركزى الشغالة عددها 8,992 جهاز فى 53 شلال، وفى شهر نوفمبر 2013 وصل العدد الى 15,420 جهاز من طراز IR-1، وقد تم انتاج 8,271 كيلوجرام من UF6 المنخفض التخصيب 3.5% U-235، وذلك نتيجة معالجة اكثر من 82 طن من UF6 الغير مخصب 0.7% U-235، والانتاج كان بمعدل 236 كيلوجرام فى الشهر. فى شهر يناير 2013، أبلغت ايران الوكالة عزمها على تركيب اجهزة طرد مركزى فى مجمع ناتانز Natanz من طراز IR-2m، وكان أكثر من 1000 جهاز قد تم تركيبهم بحلول أغسطس 2012، ومن المستهدف تركيب 3000 جهاز أخرى. فى 18 ديسمبر عام 2003، وقعت إيران على البروتوكول الإضافى. والى أن نلتقى فى الجزء الثالث، اترككم فى رعاية الله.