منذ العام 1952، تفنن قادة مصر فى تجفيف منابع العمل السياسى وتدمير المؤسسة التعليمية، وأسفرت أعمالهم، طوال 62 سنة، عن دولة عاقر تنعدم فيها الخيارات، إلى حد عجزنا عن طرح البدائل، حتى وصلنا إلى تلك اللحظة التى لا مفر فيها من الاختيار بين مرشح رئاسى لا يرى حلاً لإصلاح الأحوال سوى استخدام اللمبات الموفرة، ومرشح منافس لا يجيد سوى الترشح والمتاجرة بكلمة الثورة. لا يتحدث عبدالفتاح السيسى إلا عن اللمبات الموفرة للطاقة باعتبارها الكلمة السحرية «افتح يا سمسم» التى ستفتح له ولمصر أبواب النهضة والتقدم والحضارة والعلم، الأمر الذى لا يمكن تفسيره إلا بأنه يكشف قصوراً حاداً فى رؤيته السياسية والاقتصادية، وجهلاً بالإمكانات التى ينبغى عليه الاعتماد عليها فى برنامجه الذى لا نعرفه أصلاً. ولا يختلف حديثه بشأن اللمبات الموفرة، عن رؤيته الذكورية للمجتمع، فعندما سئل عن «المرأة» لم يتحدث عنها باعتبارها طاقة هائلة ومواطنة لها حقوق وعليها واجبات، ولم ير فيها سوى ذلك الكائن الذى سيطفئ اللمبات الموفرة فى الغرف، أو «الست أمينة» التى ستشجع زوجها وأبناءها على العمل من أجل مصر. هكذا وضع «السيسى» المرأة المصرية التى كانت العامل الأكثر حسماً فى 30 يونيو، فى مدرجات منتخب مصر، ليس عليها سوى أن تصيح وتصرخ «يلا يا جوزى حط الجون.. يلا يا ميدو باصى الكورة». أما حمدين صباحى، فهو الرجل الموسمى، حين يتعلق الأمر بقيادة ثورة يتحول إلى نفر عادى، وحين تقترب الانتخابات الرئاسية يكون أول الواقفين فى طابور المرشحين. ويحفظ «حمدين» أسطوانة واحدة «أنا مرشح الثورة» يغازل بها الشريحة الأقل تأثيراً فى صندوق الانتخابات، ويعزف نفس اللحن القديم الذى ردده فى العام 2012، وسقط به فى مواجهة الإخوان ونظام مبارك. لا يرى حمدين صباحى، مصر الدولة، بل يرى مصر الكرسى، وإذا كان الأمر كذلك فإن الحل سهل ميسور، إذ يكفى أن يصدر الرئيس الحالى أو القادم قراراً جمهورياً بمنح «حمدين» لقب «الرئيس الشرفى لمصر»، ويقيم حفلاً رسمياً يقلده وشاح الرئاسة، ولا مانع من أن يمنحه غرفة فى القصر الرئاسى، ويمكن مثلاً أن نعتمد النظام «الرئاسى الرئاسى» وهو اختراع جديد، يقضى بانتخاب رئيس رسمى ثم يعين «صباحى» رئيساً شرفياً بمخصصات مالية وتشريفة، ويمكن أيضاً تكليفه باستقبال رؤساء الدول منزوعى الصلاحيات، مثل رئيس إسرائيل أو رئيس ألمانيا أو رئيس لبنان. وقتها سنرتاح من ضجيجه ونحرمه من فرصة الوقوف فى الطابور عام 2018. نحن إذن، نواجه حالة مستعصية من فقر الساسة والقادة، تضعنا دائماً فى محل «المضطر»، ولسان حال الشعب يقول: «عايزين ننجز.. أى رئيس وخلاص عشان نشوف أشغالنا»، ما دام كل مرشح لا يعترف بأن الحل الوحيد لمستقبل مصر هو نسف تلك المخلفات التى نسميها دولة، والبدء من الصفر.