بما أن «الواشنطن بوست» لن تنشر هذا المقال، وبالتالى لن أتهم بالإساءة إلى سمعة مصر، دعونا نصارح أنفسنا ونعترف بينا وبين بعض أن مصر تخوض هذه الأيام معركة انتخابات «كده.. وكده»! وكتبت من قبل.. وفتحت على نفسى باب جهنم عندما قلت إن صراع «السيسى» و«حمدين» هو صراع على الكرسى وليس على برامج أو خط فكرى وسياسى يريد كل منهما تحقيقه، وتحديت أى إنسان يقول لى الفرق بين ما يردده «حمدين» وبين ما يقوله «السيسى»! يعنى باختصار الشعب المصرى سوف يذهب إلى صندوق الانتخابات ليختار بين شخص «السيسى» بملامحه ومواقفه المعلنة، وفى مقدمتها بالطبع دوره البطولى فى 30 يونيو، وعلى الجانب الآخر حمدين صباحى بما يعرفه عنه الناس كنائب معارض سابق وكناصرى منشق عن رفاقه القدامى ومنهم سامح عاشور، وكخطيب بليغ مبتسم دائماً ومدافع محترم عن هموم الفلاحين والفقراء..! ولكن هل كل ما سبق يكفى لكى نقول إننا بصدد الاختيار بين مرشحين يملكان الأدوات التى من شأنها إنقاذ مصر والانتقال بها إلى مصاف الدول القوية غير التابعة ومستقلة القرار والإرادة؟!.. هل عرفنا بوضوح مَن منهما سيكون قادراً على تحويل مصر من دولة تمد يدها إلى الآخرين وتعيش على المساعدات إلى دولة منتجة تعتمد على نفسها.. تأكل مما تزرع وتصدّر مما تصنع؟!.. وأرجوكم صارحوا أنفسكم.. هل سمع فيكم أحد «السيسى» أو «حمدين» يقدم رؤية وطنية واضحة وحلاً عبقرياً لمعضلة الدولة والإخوان؟! للأسف، لم نسمع حتى الآن من المرشحين للرئاسة غير نفس الكلام العاطفى المعلّب، الذى يستهدف فقط مغازلة كتل الأصوات المستهدفة.. لا مصالحة مع الإرهاب.. وأهلاً بكل من لم تتلوث يده بدماء المصريين! يعنى إيه؟! هل سيسمح «السيسى» أو «حمدين»، فى حال نجاح أى منهما، لأعضاء جماعة الإخوان المتوارين عن الأنظار ولم يقدّموا لمحاكمات، بالعمل السياسى تحت أى غطاء آخر أو ضمن أى حزب أو جماعة سياسية أخرى؟! هل سيسمح لهم بالعودة إلى نشاطهم فى الجامعات والنقابات؟ أنصار «السيسى» يقطعون بأنه مستحيل! بينما كثيرون فسروا بعض تلميحات «السيسى» بأنها استعداد.. للمصالحة! وعلى الجانب الآخر، فإن حمدين صباحى وضعه مختلف، لأنه فيما يبدو تحت الضغط النفسى الهائل لقوة المرشح المنافس، اضطر لأن يلقى بالبيض كله فى سلة الإخوان، وبدأ يراهن على المزاج الدينى للمصريين ويضرب على الوتر الخطير الذى لعبه «السادات» قديماً.. الرئيس المؤمن!.. وأخذ الخطاب الدينى العاطفى يتزايد يوماً بعد يوم فى أدائه، إلى الحد الذى أخشى أن أصفه بأنه خيانة لأفكار «حمدين» ومبادئه نفسها!.. هل يصل النفاق الانتخابى بمرشح إلى حد وصف ما يفعله الإخوان من عنف وحرق وتخريب بالجامعات بأن هؤلاء شباب «سلميون» من حقهم التعبير عن رأيهم؟! أما أكثر ما صدمنى فهو اعتبار «حمدين» حملات اعتقال الإخوان بأنها ملاحقات لناس «متدينين» كل جريمتهم أنهم يذهبون للصلاة بالجامع! أفهم بالطبع مأزق «حمدين» وأنه ليس فى يده كروت كثيرة يلعبها ضد خصمه، وأعرف أنه يلقى بآخر ما لديه فى معركة هو يعرف مسبقاً أنها محسومة، ولكنى كنت أتمنى كصديق يقف على نفس الضفة الوطنية أن يقدم «حمدين» فى معركة العمر. إن مأزق هذه الانتخابات هو أنه لا توجد انتخابات.. هى مباراة يلاعب فيها فريق واحد نفسه، ومع ذلك كان المصريون يراهنون على اللعبة الحلوة، وأن يستمتعوا بمنافسة تستحق ما دفعوه من أجلها.. ثورة وشهداء ومعاناة وصبر طويل، ولكن أن نصوم.. نصوم ثم نفطر على كل هذا الإفلاس وخيبة الأمل.. حرام..